أحداث متلاحقة وتعقيدات متزايدة تمور بها الساحة السودانية.. فمن قصف (إسرائيل) لمصنع (اليرموك) الحربي، الذي كشف عن اختلالات سياسية وعسكرية وهيكلية تنفيذية، إلى مرض الرئيس "عمر البشير"، مروراً بفشل أول اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية المشتركة بين السودان وجنوب السودان، وانتهاءً بتغير موقف والي ولاية جنوب كردفان (180) درجة من الحوار مع ما يعرف بالحركة الشعبية (قطاع الشمال).. لقد أقر اتفاق التعاون المشترك الذي وقعه الرئيسان "البشير" و "سلفا كير" في أديس أبابا نهاية سبتمبر الماضي قيام لجنة السياسة الأمنية المشتركة لإنفاذ الاتفاق خاصة في جانبه الأمني والعسكري.. أول اجتماع للجنة انتهى الأربعاء الماضي بالفشل وعاد وزير الدفاع السوداني "عبد الرحيم محمد حسين" من جوبا بخفي حنين وبدون نتائج ولم يفلح الجانبان حتى في تحديد موعد للاجتماع القادم في الخرطوم.. السودان يتهم جوبا بعدم الجدية في فك ارتباطها بالمعارضة المسلحة خاصة ما يسمى ب(قطاع الشمال).. البعض يعتقد أن الحركة الشعبية الحاكمة في جوبا غير راغبة في التوصل لأي اتفاق مع الخرطوم بشأن الملف الأمني وقد قاربت (طبخة) منطقة أبيي المتنازع عليها على النضج ومن المنتظر أن يدفع بها مجلس السلم والأمن الإفريقي إلى مجلس الأمن الدولي المتهم بالوقوف بجانب جوبا.. مجلس السلم والأمن الإفريقي (تآمر) من قبل ونقل ملف الصراع بين البلدين إلى مجلس الأمن الذي أصدر أخطر قرار ضد السودان وهو القرار رقم 2046 الذي يتم التفاوض اليوم تحت سيفه المشرع. الحركة الشعبية منذ أن بدأت نشاطها العسكري والسياسي قبل أكثر من عقدين من الزمان كانت تتأبط خطة سياسية وعسكرية من قسمين (أ)، (ب).. تحقيق القسم (أ) يغني بالضرورة عن القسم (ب)، بينما يتم اللجوء إلى الفرع (ب) في حال فشل الفرع (أ).. المآل النهائي لهدف الحركة استقر على الفرع (ب) وهو فصل جنوب السودان وتأسيس دولة تتبنى نهجاً وسياسة على النقيض مما تتبناه حكومة الخرطوم.. الخطة في قسمها (أ) تبنت شعار تحرير السودان وصولاً إلى (سودان جديد) يتم فيه طمس الهوية العربية الإسلامية وإزاحتها من الحياة العامة وإرساء قواعد نظام حكم علماني بملامح زنجية إفريقية خالصة.. فشل الخطة (أ) لا يعني التخلي تماماً عن هدف (السودان الجديد)، ولكن يتم تحقيقه بوسائل وطرق سياسية وعسكرية جديدة، فإن لم يكن (سوداناً جديداً موحداً)، فيكن (سودانين) متماثلين ثقافياً وسياسياً وفقا لرؤية الحركة الشعبية التي تتماها مع الرغبات الإسرائيلية والاستراتيجية الأمريكية في المنطقة. تزامن كل ذلك مع تصعيد كبير لمتمردي قطاع الشمال في ولاية جنوب كردفان المتاخمة لدولة الجنوب.. القصف العنيف لحاضرة الولاية جعلت والي الولاية المعروف بحماسه للحوار مع القطاع أن يتبنى موقفاً جديداً تماماً.. بكلمات قوية وصاعقة عبّر " أحمد هارون" عن موقفه الجديد قائلاً لدى مخاطبته وحدة عسكرية: (لا حوار مع الحركة الشعبية، والعمل العسكري الميداني سيمضي حتى تعلم الحركة وقادتها أن التصعيد العسكري لا يفيد).. موقف "هارون" الجديد ربما كان راجعاً لسببين لا ثالث لهما؛ إما أن الوالي قطع الشك باليقين من عدم جدوى الحوار مع قطاع الشمال أو أن تقدماً كبيراً حققه الجيش السوداني، حيث نفذ عمليات تمشيط ومداهمات واسعة شرقي عاصمة الولاية وكبد المتمردين خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات العسكرية.. لكن على "هارون" وطاقمه السياسي والتنفيذي تصويب النظر بإمعان نحو منطقة جبال النوبة المتاخمة لدولة الجنوب لأنها منطقة بمواصفات خاصة.. المنطقة تتميز بجغرافيا وعرة تلائم حرب العصابات.. مساحتها تعادل مساحة أسكتلندا، أي حوالي ثلاثين ألف ميل مربع، وهي منطقة سافانا غنية تهطل عليها أمطار صيفية غزيرة تكفي لإنتاج محاصيل زراعية مهمة خلال موسم الخريف.. يبلغ سكان منطقة جبال النوبة حوالي (3) ملايين نسمة. من تداعيات القصف الإسرائيلي النقد الذي وجهته وزيرة الخارجية علنا لأطراف في السلطة الحاكمة.. في برنامج تليفزيوني كشف الوزير "علي كرتي" عن حصولهم في الوزارة على معلومة وصول البوارج الإيرانية ميناء بورتسودان من أجهزة الإعلام؟!، مضيفاً (الخارجية آخر من يعلم).. "كرتي" بث شكواه على الهواء مباشرة ممتعضاً من (ضعف التنسيق ما بين أجهزة الدولة المختصة ووزارة الخارجية فيما يختص بشأن القصف).. كلام الوزير أمر خطير يشير إلى أن مؤسسات الدولة لا تعمل كمنظومة متماسكة وإنما تعمل كجزر معزولة. المصدر: الشرق القطرية 10/11/2012م