(1) ليس الوقت الذي يهدر في (حوار الطرشان) بلا ثمن.. كثير من المداد سُكب وكثير من الكلام صُرف، لأجل عيون الحركة الشعبية، ولكن النفخ في القربة المقدودة لا يجدي والحرث في البحر لا يثمر.. فشلت اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية المشتركة بين الخرطوموجوبا، وعاد وزير الدفاع "عبد الرحيم محمد حسين" وصحبه بخفي حنين وبدون نتائج..حتى أن الجانبين فشلا في تحديد موعد للاجتماع القادم في الخرطوم.. لا أعتقد أن الحركة الشعبية راغبة في التوصل لأي اتفاق مع الخرطوم وقد قاربت طبخة أبيي على النضج وهي تنتظر على أبواب مجلس الأمن الدولي.. مجلس السلم والأمن الأفريقي تآمر من قبل ونقل ملف الصراع بين البلدين إلى مجلس الأمن الذي أصدر أخطر قرار ضد السودان وهو القرار رقم 2046 الذي يتفاوض السودان اليوم تحت سيفه المشرع.. عندما وقعت الخرطوم ما يُسمى باتفاقية التعاون المشترك مع جوبا رقص الراقصون وهلل المهللون وسال لعاب الطامعين وقالوا ليس بالإمكان أحسن مما كان.. جوبا تريد أن تضحك علينا (بشوية) دولارات بترولية ثم تُبقي على ارتباطها ودعمها لقطاع الشمال الذي يريد أن يحوّل ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان إلى شوكتي حوت في خاصرة السودان.. ليس هذا فحسب، بل ضم أبيي بالكامل ولا عزاء لقبائل المسيرية.. ألم يكن الذين تفاءلوا بذلك الاتفاق الذي صاحبته (هُليلة) كبيرة على قدر كبير من السذاجة والعجز السياسي.. الحكمة تقول إن الرجل المتفاءل هو شخص عديم الخبرة.. الحركة الشعبية منذ أن بدأت نشاطها العسكري والسياسي قبل أكثر من عقدين من الزمان كانت تتأبط خطة سياسية وعسكرية من قسمين (أ)، (ب).. تحقيق القسم (أ) يغني بالضرورة عن القسم (ب)، بينما يتم اللجوء إلى الفرع (ب) في حال فشل الفرع (أ).. المآل النهائي لهدف الحركة استقر على الفرع (ب) وهو فصل جنوب السودان وتأسيس دولة تتبنى نهجاً وسياسة على النقيض مما تتبناه حكومة الخرطوم.. الخطة في قسمها (أ) تبنت شعار تحرير السودان وصولاً إلى (سودان جديد) يتم فيه طمس الهوية العربية الإسلامية وإزاحتها من الحياة العامة وإرساء قواعد نظام حكم علماني بملامح زنجية أفريقية خالصة.. فشل الخطة (أ) لا يعني التخلي تماماً عن هدف (السودان الجديد)، ولكن يتم تحقيقة بوسائل وطرق سياسية وعسكرية جديدة، فإن لم يكن (سوداناً جديداً موحداً)، فيكن (سودانان) متماثلان ثقافياً وسياسياً وفق لرؤية الحركة الشعبية التي تتماهى مع الرغبات الإسرائيلية والإستراتيجية الأمريكية في المنطقة. (2) في أيام الغربة كنت كثيراً ما أقف ملتاعاً حيثما سمعت هديل الحمام.. الحمام كان يذكرني ويشدني إلى أجواء دافئة، حيث الأيام الجميلة.. في تلك الظهيرة الكبار يتبادلون الأحاديث وأكواب القهوة تدور بينهم بعدما عبق المكان بمقدمات القهوة المعروفة.. نحن الصغار نلهوا على جانب آخر غير بعيد نستمتع بظل شتوي بديع.. يالها من أيام عزيزة عودتها وتكرارها.. الحمام طائر مشهور بالوداعة ويعدّ رمزاً للسلام، وخلّده الشعراء، وقديماً كان بريد العرب، وهو كذلك رمز للحنين إلى الأوطان.. تاريخياً جاء في التوراة أن سيدنا نوح عليه السلام أطلق الحمام من فلكه الذي يبحر في الطوفان على دفعتين فعادت إليه حمامة وفي فمها غصن زيتون فاستدل به على انتهاء الطوفان، ومنها أصبح الحمام الزاجل رمزاً للسلام.. الإمام "البوصيري" مادح رسول الله صلى الله عليه وسلم مدح الحمام في قصيدته المباركة (البردة) التي سار على نهجه فيها كثرة من الشعراء من بعده، حين وقف بجميل فكره على حدث مهم من أهم أحداث الهجرة ألا وهو (الغار) قائلاً: ظنوا الحمامَ وظنوا العنكبوت على ** خيرِ البريةِ لم تنسجْ ولم تحُمِ وقايةُ اللهِ أغنت عن مضاعفةٍ ** من الدروعِ وعن عالٍ من الأطمِ ويعتبر حمام مكة امتداداً لحمامة غار ثور، وهو أكثر أماناً وسلاماً، وجاء في أمثال العرب (آمنُ من حمام الحرم وآلفُ من حمام مكة). • آخر الكلام: مشكلة وزير الخارجية "علي كرتي" أنه رجل صادق مع نفسه ومع وطنه.. الصدق بضاعة (كاسدة) في زمن التكالب والتنافس والنفاق.. أي لعاعة تلك التي أعمت البصائر قبل الأبصار؟!.