21 قتيلاً كان حصيلة قتال دامي شهدته منطقة (خور مالي) بمحلية طويلة بولاية شمال دارفور بين عناصر من ما يسمى بالجبهة الثورية الأسبوع المضي. القتال الدامي والذى تفيد متابعات (سودان سفاري) أنه لم ينته بعد، ترجع أسبابه الرئيسية الى خلافات مالية وأخرى شخصية ظلت تتصاعد منذ فترة ليست بالقليلة بين قيادات الجبهة المختلفة وذلك بعدما تبادلوا ملاسنات وإتهامات حادة بشأن كيفية تأمين المال والدعم المادي للعمليات. ويقول أحد عناصر حركة مناوي التى سقط من بينها عدد من الضحايا وخسرت آليات وأسلحة إن المشكلة كلها تتعلق بالمال وكيفية التخطيط للحصول عليه، وأن القوافل التجارية التى أصبحت هدفهم الوحيد أضحت محل مطامع البعض الذين لا يتحرجون فى أخذها لصالحهم، ويضيف: الوضع حرج جداً وما عاد يحتمل، فمن بين 7 قوافل تجارية إستهدفناها بداية شهر إكتوبر الماضي لم نستطع مهاجمة قافلة واحدة، وكانت آخر قافلة متجهة من نيالا للفاشر قد أفلتت من بين أيدنا جراء الخلاف العاصف الذى أدّى الى هذه المعركة الدامية. ويقول شهود عيان فى المنطقة التى جرى فيها القتال ان أكثر الضحايا سقطوا من حركة عبد الواحد محمد نور حيث سقط منها ما يجاوز ال15 عنصراً والراجح أن القتال كانت وراءه بخلاف المنازعات المالية، مشاكل ذات طابع قبلي، خاصة إذا علمنا ان حركة عبد الواحد يكثر فيها منسوبي قبيلة الفور بينما حركة مناوي وحركة العدل والمساواة يغلب على منسوبيها إثنية الزغاوة. ولعل هذا ما أكدته بعض قيادات تحالف وأحزاب حركات دارفور والتى قال المتحدث بإسمها (محمد عبد الله ود أبوك) فى تصريحات صحفية – الجمعة الماضية – ان هناك تفشياً للقبلية وغياب للرؤية الاستراتيجية والبنى الفكرية للحركات الدارفورية المسلحة. ومن الواضح ان هذا الداء قد انتقل الآن الى ما يسمى بالجبهة الثورية والتى لم تعجز فقط فى القيام بأيّ عمل مؤثر فى سعيها لإسقاط الحكومة السودانية، ولكنها عجزت حتى فى لمِّ شملها وتوحيد مواقفها وتحركاتها وكان آخر ما تورطت فيه، هذا العراك الدامي الذى أسقط هذا العدد الكبير من الضحايا من كل عناصرها. فالأزمة هنا ليست فقط فى نزيف الدم الدارفوري المتدفق كما الشلال بين مكونات هذه الحركات؛ الأزمة أكبر من ذلك بكثير، إذ أن الجبهة الثورية بهذا المسلك تعطي إنطباعاً خاطئاً عن تردي الأوضاع الأمنية فى دارفور، وهى أمور غالباً ما يستصحبها المجتمع الدولي فى نظرية الأوضاع الأمنية فى دارفور، دون أن يضع حداً فاصلاً ما بين أنشطة الحركات المسلحة المتقاتلة والمتصارعة في ما بينها، وأنشطتها فى مواجهة أهل دارفور بسلبهم أموالهم وممتلكاتهم وتعكير صفو أمنهم؛ والمواجهات -النادرة- بين هذه الحركات والقوات السودانية، ففي غالب الاحوال تنعدم أية مواجهات مباشرة وفعلية بين هذه الحركات المسلحة والجيش السوداني لصعوبة صمود هذه الحركات المسلحة فى وجه الجيش السوداني، ولهذا تفضِّل الجبهة الثورية وهذه الحركات المسلحة أن تعمل بعيداً جداً عن نقاط إرتكاز الجيش السوداني وتعتمد أسلوب الهجوم والضرب والهرب، وسلب الأطواف والقوافل التجارية لتمويل أنشطتها. وعلى ذلك يمكن القول، ان أزمة دارفور فى الوقت الراهن هى أزمة حركات مسلحة ومتمردين فى المقام الاول، حيث تضخم جسد هذه الحركات وأصبحت تعتمد النشاط المسلح وسيلة للعيش والحياة، ولا تجد حرجاً فى فعل أيّ شيء للحصول على المال من أجل البقاء، وهى دون شك ظاهرة خطيرة للغاية، فهى فضلاً عن أنها ترسخ هذا الاسلوب لدي أهل دارفور بحيث تجتذب الشباب لدخول هذا المضمار، فهي بالضرورة تعطل أنشطة أهل دارفور وأعمالهم المعتادة فى المجال الزراعي والرعويّ. ولهذا، فإن نظرة المجتمع الدولي حيال هذا الأمر ينبغي ان تستصحب أن ما يسمى بالجبهة الثورية وهذه الحركات المسلحة ليس لها هدف سياسي أو رؤية واضحة؛ هى فقط تستخدم السلاح لأغراض خاصة، وتستفيد دون شك من الدعاية الاعلامية التى تتحدث عن تردِّي الاوضاع فى دارفور وضرورة حل الازمة عبر التفاوض، ولا يدري المجتمع الدولي – أو يدري ولا يريد ان يتعامل بذلك – أن أنشطة ما يسمى بالثورية وهذه الحركات المسلحة هى أنشطة إجرامية محضة لا علاقة لها بأيّ عمل سياسي جاد على الاطلاق!