ليس من المعتاد أن يزج مسئولي الشرطة والأمن بأنفسهم فى أتون المعارك السياسية وخلق توترات هنا وهناك بالمخالفة لمنهجية العمل الشرطي القائم على الحرص على توفير أكبر قدر من الهدوء والطمأنينة العامة. غير أن مسئول الشرطة الاماراتية السيد ضاحي خلفان وفى إطار معركة يخشى الكثير من المراقبين ان تكون (معركة خاصة) كسرَ هذه القاعدة ومضي شوطاً كبيراً للغاية فى عراك سياسي من نوع فريد مع الأخوان المسلمين بصفة مطلقة دون تحديد حدود أو بلد أو مكان وإعتبرهم العدو الأول! وبالطبع لم يكن من أحد ليتصدى للرجل -فى معركته السياسية الخاصة هذه- طالما أنّ هذه رؤيته وهذا إختياره، ففي النهاية فإن مقتضيات الديمقراطية والحرية المكفولة تتيح لكل جهة ولكل مسئول ولكل من شاء أن يعادي من يشاء وأن يحارب من يشاء. ولكي يكون الأمر جلياً للغاية، فنحن هنا لا شأن لنا البتة بالأخوان المسلمين، أينما وجدوا، فهم أدرى بشعابهم وهم الأقدر على مواجهة الرجل – إن هم أرادوا ذلك، أو صرف النظر عنه إن رأوا أنه (لا يستحق هذا الشرف)! واللواء ضاحي خلفان بالطبع له إحترمه كرجل شرطة لا تنقصه الخبرة والدربة وقدر ملحوظ من الذكاء وقد بزغ نجم الرجل قبل سنوات لمّا نفذ بعض عملاء الموساد عملية إغتيال المبحوبح فى دبي. ويومها وبفعل القدرات المعروفة لشرطة دبي تمكنت فى وقت وجيز وبسرعة اثارت الاعجاب من تحديد الجناة، وأتاحت الحادثة للواء خلفان لأخذ حظه من الشهرة الداوية وما تحلّى به من شجاعة وتحدى جهاز الموساد الاسرائيلي، وتجلت براعة شرطة دبي فى وضع كل النقاط على الحروف بحيث أضطر الموساد لإعادة قراءة خططه وأساليبه بعدما تمت تعرية العملية – رغم نجاحها – تعرية كاملة بفعل ذكاء الشرطة الاماراتية ومثابرتها وعدم توانيها فى التحقيق الدقيق وعدم إكتراثها بأيّ ظلال سياسية أو مخاوف أمنية. من الطبيعي إزاء هذا النجاح الداوي – ان يستشعر الرجل حماسة من نوع ما، وطموحاً (بدرجة ما) كشأن النفس البشرية التى يصعب سبر غورها، وهذا أيضاً مع علمنا اليقنيّ أن طموح الرجل وبفعل (الاعتبارات المعروفة) وطبيعة سير الأمور فى الامارات لن يتجاوز النقطة التى هو عليها! إذ من المستحيل طبعاً ان ياتي يوم (يخلع) فيه الرجل زيه الشرطي لينتقل الى زي مدني (أرفع) فى درجة أعلى! المهم هذا أيضاً ليس ما يهمنا؛ الذى لفت إنتباهنا هنا وأثار الحيرة والدهشة أن (خلفان) قال نصناً: إن إسرائيل لا تشكل خطراً علينا بالقدر الذى يشكله الاخوان المسلمون! هذه فى الواقع هى المأساة التى خاض فيها خلفان وإضطرتنا للتصدي له، فمن جانب أول فإن خلفان هو أول مسئول أمني رفيع يقول أن اسرائيل لا تشكل خطراً على أحد! وزير الأمن الداخلي الاسرائيلي نفسه لم يقل هذا الكلام، ولا ندري ما هى مهام الأمن فى الأمارات، ودول الخليج والدول الاسلامية والعربية طالما أمن اسرائيل لا تشكل خطراً على أحد! ومن جانب ثاني، فإن إسرائيل عدو مغتصب لأرض وتشنّ بإستمرار هجمات على الأراضي المحتلة وتقتل النساء والأطفال كما تفعل الآن فى غزة وفعلت ذلك من قبل فى جنوب لبنان وفعلته أيضاً فى غزة وفى الخرطوم. هل كل هذا الذى فعلته اسرائيل - بوحشية وسبق إصرار - مجرد عمل انساني إجتماعي فى رأي السيد خلفان لم يصل بعد الى مرحلة الخطر؟ وأيُّ خطر أكثر من احتلال الأرض ومهاجمة دول الجوار؟ من جانب ثالث من الذى يتصدى الآن ببسالة وجرأة نادرة لإسرائيل؛ هل هى كتائب القسام والجهاد الاسلامي وحماس وحزب الله، أم شرطة دبي؟ بل فليسأل خلفان نفسه، لماذا شقت اسرائيل وتعبت فى ملاحقة عناصر حماس وإغتالت المبحوح على أراضي الأمارات؟ هل كانت تنفذ (سياسة مشتركة) بأن الأخون المسلمين يشكلون خطراً على الجانبين؟ إن ما قاله السيد خلفان دون شك أقرب الى (الخرف السياسي) منه الي أيّ شيء آخر!