نتج عن تطبيق اتفاقية نيفاشا انسحاب الجيش السوداني من كل أرض الجنوب، بينما احتفظ الجيش الشعبي بفرقتيه التاسعة والعاشرة في الشمال، في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. يبلغ تعداد الفرقتين (54) ألف جندي. ذلك إضافة إلى (3) آلاف جندي تابعين للجيش الشعبي يتواجدون في شرق السودان. كان يُفترض أن يتزامن مع انسحاب الجيش السوداني من الجنوب، انسحاب الجيش الشعبي من الشمال. ولكن ذلك لن يحدث، لتصبح الفرقتان التاسعة والعاشرة ورقتي ضغط وابتزاز ضد الشمال، ولتصبحا صاعقي تفجير للحرب الأهلية في المنطقتين (النيل الأزرق وجنوب كردفان) . وذلك يناقض اتفاقية السلام والحلّ السياسي لمشكلة جنوب السودان، كما يناقض فصل السودان إلى دولتين. إذ لا يمكن ولا يستقيم سياسة أو قانوناً، أن تحتفظ الدولة المنفصلة ب (54) ألف جندي في أرض الدولة الأم التي انفصلت عنها، أربعة وخمسين ألف جندي ينفِّذون برنامج الدولة المنفصلة في إشعال الحرب في الدولة الأم لضم المزيد من أراضيها بقوة السلاح. ذلك كما يحرص الجيش الشعبي في جوبا على رفض دمج فرقتيه التاسعة والعاشرة في جسم الجيش الشعبي، حتى لا يستثير جراثيم تفككه بالبواعث القبلية فينهار كجيش حديث الولادة. قيادة الجيش الشعبي تعلم أن من نتائج دمج (جيش) التمرد في الجيش السوداني في اتفاقية أديس أبابا عام 1972م، أن أحد المندمجين (جون قرنق) قاد حركة تمرد جديدة، كان من أوَّل ضحاياها اتفاقية 1972م. ذلك السيناريو يمكن أن يُعاد انتاجه جنوبياً، إذا ما دمجت قيادة الجيش الشعبي الفرقتين التاسعة والعاشرة في جسم الجيش الشعبي. في سوابق الحلّ السياسي للحروب الأهلية، ظلّ الإحتفاظ ب (جيش) التمرد، سبباً في إعاقة السلام. انطبق ذلك على (أنجولا). كما ظلّ احتفاظ (شارلس تايلور) بقواته في ليبيريا، مدمِّراً للحلّ السياسي. في حالة الجيش السِّرِّي الآيرلندي، ظلَّ موقف الحكومة البريطانية ألا يتمّ تسليم سلاح المقاتلين، وأن تتم ممارسة العمل السياسي من خلال حزب. ويعكس ذلك حزب (شين فين) بزعامة (جيري آدامز). لذلك لن يسمح السودان لسلفاكير أن يلعب دوراً مزدوجاً، ليكون مزيجاً من (جيري آدامز) الآيرلندي و (ساڤمبي) الأنجولي أو (تايلور) الليبيري. خيار الحلّ السياسي للحرب الأهلية، كما جاء في اتفاقية نيفاشا، يحتِّم إسقاط الخيار العسكري وملحقاته. ومن أهم ملحقات الخيار العسكري أن يتمّ انفصال الجنوب وأن يتوازى مع الإنفصال احتفاظ الجنوب بقواته التي تبلغ ب (54) ألف جندي على أرض الشمال. الوضع الآن مناقض لاتفاقية السلام، حيث تمّ انفصال الجنوب وتوازى مع انفصاله احتفاظ الجنوب ب (54) ألف جندي في الشمال، يشعلون الحرب بين ربوعه. كان التعامل مع ما يسمّى (جيش لبنان الجنوبي) في عملية سلام جنوب لبنان، هو حلّ وتسريح الجيش. حيث اختار البعض العيش في لبنان، وفضَّل البعض الإقامة في فرنسا أو غيرها، وغادر البعض إلى اسرائيل. في عملية سلام السودان يجب أن يكون التعامل مع (جيش السودان الجنوبي) أي (الفرقتين التاسعة والعاشرة) في المنطقتين (النيل الأزرق وجنوب كردفان) بقيادة سلفاكير، يجب أن يكون التعامل بأن يتمّ حل ذلك الجيش وتسريحه، فذلك هو الأجدى للسلام بين الشمال والجنوب. ذلك ما يخدم سلام شمال السودان، وما يخدم سلام جنوب السودان. هناك تطابق كبير جدَّاً بين جيش لبنان الجنوبي والفرقتين التاسعة والعاشرة للجيش الشعبي اللتين تحتلان أراضي النيل الأزرق وجنوب كردفان أطول الولايات السودانية حدوداً مع دولة الجنوب. عدم انصياع حكومة جوبا لمقتضيات اتفاقية السلام، يعني أن اتفاقية نيفاشا كغيرها من اتفاقيات سلام أخرى سبقتها في العالم، أصبحت تحمل جراثيم حرب أهلية قادمة. عدم انصياع حكومة جوبا لنصوص اتفاقية السلام، يعني أنها تعتبر اتفاقية السلام مجرَّد هدنة لحرب قادمة، لن تنتهي إلا بإقامة (السودان الجديد) على حطام السودان الحالي. نقلا عن صحيفة الانتباهة 11/12/2012