19 ديسمبر لحظة ميلاد السودان الحر في ذلك اليوم أعلنت الأحزاب السودانية أن الشعب السوداني قد أجتمع على الحرية والخلاص من عبودية الاستعمار البغيض، في ذلك اليوم التاريخي الذي شهدته قبة البرلمان أعلن استقلال السودان في تلك اللحظة التاريخية وليدة مخاض عسير، وقادة أصبحوا الآن أسماء في حياتنا ندين لهم بالحرية والسيادة الوطنية. (آخر لحظة) أبحرت في مركب التاريخ وتفاصيل ذلك اليوم العظيم. * إسماعيل الأزهري رئيس الوزراء: وصف الزعيم إسماعيل الأزهري يوم 19 ديسمبر بأسعد أيام السودان، وقال هذا هو اليوم الذي أعلن فيه السودان استقلاله واستقراره، وأضاف بالقول نسأل الله أن يمكننا ويمكن السودان بأن يقف شقيقاً عزيزاً منيعاً إلى جانب شقيقته مصر في كل الدهور والعصور. * عبد الله خليل سكرتير الأمة: اتفق عبد الله خليل مع الزعيم الأزهري في وصفه بأن هذه فرصة سعيدة التي نال فيها السودان استقلاله، وقال وسعدنا بدورنا باتفاق كلمة السودانيين وإجماعهم على استقلال بلادهم، وقد كنا نقول دائماً متى ما اتفق السودانيون وتوحدت صفوفهم استطاعوا أن يحققوا ما يريدون وأن يأتوا بما هو في حكم المستحيل، وأننا نرجو أن لا نعتبر الاستقلال غاية في حد ذاته بل يجب أن نتخذه وسيلة لإقامة قواعد الحكم. ومضي خليل في حديثه يقول: إنني اعتقد بأن دولتي الحكم الثنائي ستعترفان باستقلال السودان لا سيما أنهما أكدتا مراراً وتكراراً لنا ذلك، كما أكدتا استعدادهما لقبول ما تجتمع عليه كلمة السودانيين. * لقاء الأمة والاتحادي: تفاصيل كثيرة سبقت مرحلة توافق الحزبين الكبيرين الأمة بقيادة السيد عبد الرحمن المهدي والوطني الاتحادي بقيادة السيد علي الميرغني، حيث مثل حزب كل من السيدين تيارين يتفقان على استقلال السودان ويختلفان عند نقطة الاتحاد مع مصر والتي اتفقا عليها مؤخراً بعد أن تدخلت وساطات، أضف إلي أن الدعوة إلي استقلال السودان بالكامل خرجت بعد ذلك من بيت (المراغنة)، حيث اتصل السيد الحسن الميرغني من كسلا بوالده السيد علي الميرغني ببورتسودان وأبلغه بأنه سيعمل على تعاون الجانبين مرة أخري وأن الهدف الذي سيعمل من أجله يتمثل في تفاني الحزبين، وذلك من خلال الهدف الموحد وهو ((أن تقوم جمهورية السودان مستقلة برئيس جمهوريتها وحكومتها وجمعيتها وبرلمانها وعلمها وعملتها وتمثيلها الخارجي، إضافة لتكوين لجنة مشتركة من برلمان السودان ومصر لتبقي العلاقات بين الدولتين الصديقتين)). وختم السيد الحسن رسالته لوالده بحسب صحيفة (الرأي العام) الصادرة في ذلك الوقت بأنه يجب أن يكون مفهوماً لدي الجميع بأن الرأي الاتحادي ألختمي قد استقر على أن يكون التقاؤه مع حزب الأمة عند استقلال السودان التام، السيد علي الميرغني أرسل إلي نجله السيد الحسن مندوبين هما محمد يس رئيس مجلس الشيوخ وإبراهيم صالح سوار الذهب يحملان موافقة الميرغني ومباركته ودعمه للالتقاء مع حزب الأمة. * لحظة الميلاد الحقيقية: في 19 ديسمبر 1955م بدأت جلسة البرلمان في الساعة العاشرة صباحاً وقد ازدحمت شرفات مجلس النواب بالزوار من كبار الشخصيات ورجال السياسة وممثلي الدول الأجنبية، وقد طوق المكان من الخارج حشود الشعب السوداني الذين جاءوا نم كل أنحاء الخرطوم ليشهدوا اللحظة التاريخية. وفي تمام الساعة الحادية عشرة وخمسة عشرة دقيقة كان نواب البرلمان السوداني قد اتخذوا القرار التاريخي بإعلان استقلال السودان والإجماع عليه، وقد نال شرف إلقاء الخطاب التاريخي حزب الأمة ممثلاً في السيد عبد الرحمن دبكة والذي تلي أمام البرلمان نص الخطاب. سيدي الرئيس: أرجو أن اقترح تقديم خطابي لمعالي الحاكم العام بالنص التالي: ((نحن أعضاء مجلس النواب في البرلمان مجتمعاً وإنابة عن الشعب السوداني نعلن باسم الشعب السوداني أن السودان قد أصبح دولة مستقلة كاملة السيادة ونطلب من معليكم أن تطلبوا من دولتي الحكم الثنائي الاعتراف بذلك فوراً. سيدي الرئيس: يسرني أن أعلن أن هذا القرار في هذه اللحظة التاريخية الخالدة بعد أن أجمع الشعب السوداني المجيد على الاستقلال الكامل. سيدي الرئيس: إن إعلان الاستقلال من هذا المجلس حق طبيعي ومشروع وواجب وطني مقدس بعد أن دخلت البلاد الطور النهائي من مرحلة الانتقال – كما أننا نسجل تقديراً للحكومة البريطانية والمصرية لإيفائهما باتفاقية 1953 ونأمل في استجابة سريعة لهذا النداء الصادر من الشعب السوداني وان تعترفا باستقلال السودان الكامل وسيادتنا)). وقدم الحزب الوطني الاتحادي ثناءه على خطاب حزب الأمة، وقدم الثناء السيد مشاو جمعة سهل من الحزب الوطني الاتحادي. وقد ختم المناقشة زعيم المعارضة السيد محمد أحمد المحجوب، وعب على حديثه السيد مبارك زروق من جانبه الحكومة. وانتهت الجلسة التاريخية في الساعة الثانية عشرة ظهراً بعد أن أجاز البرلمان القرار الرابع الخاص بالجمعية التأسيسية. * شوارع المدينة تحتفل: بعد انتهاء الجلسة التاريخية لمجلس النواب انتظمت حركة تظاهرات كبيرة من الجماهير الغفيرة التي كانت تطوق البرلمان وتهتف برحيل الاستعمار، واتجهت التظاهرة الأولي إلي سرايا الإمام عبد الرحمن المهدي ويعتقد بان هذه الجموع كانت (للأنصار) ليحدث بعد ذلك تلاحم مع تظاهرة أخرى لتصبح التظاهرة جبهة وطنية تردد هتافات مناوئة للاستعمار، وقد كانت سيارات البوليس كاملة الاستعداد للطوارئ تراقب المتظاهرين عن كثب ولم تتدخل، وبعد ساعة من ترديد الشعب لشعار (لا لا للاستعمار السودان حر) وفي تمام الواحدة ظهراً أعلن قائد البلوليس وأرسل نداء للجبهة المتظاهرة بأن يتفرقوا بعد أن عبروا من ابتهاجهم وشعورهم بما فيه الكفاية وذلك لتعطل حركة المرور بالعاصمة بعد إن أغلقت التظاهرات الشارع عند ميدان المحطة الوسطي. * أسرار اجتماع القاهرة: وفي ليلة 19 ديسمبر وفي تلك الأثناء اجتمع بالقاهرة البكباشي زكريا محي الدين وزير الداخلية المصري الذي يتولي شؤون السودان بالسيد همفري تريلفيان سفير بريطانيا في مصر للبحث في موقف حكومتيهما بشان القرارات التي اتخذها البرلمان السوداني، وأذاعا بعد ذلك بياناً مشتركاً بأن الأمل الكبير في الوصول إلي قرار بهذا الشأن في أقرب وقت. وقد حضر الاجتماع بالقاهرة كل من الأمير لأي عبد الفتاح حسن والمستر لالف مهي الوزير البريطاني في السفارة وسيعقد الجانبان اجتماعاً آخر غداً. * الحكومة البريطانية تعلن ترحيبها: أعلنت الحكومة البريطانية ترحيبها بقرار الاستقلال، وأصدرت وزارة الخارجية البريطانية بياناً ترحب فيه بقرار البرلمان السوداني الخاص باستقلال السودان، وتوم الآن بخطوات المشاورات مع الحكومة المصرية لتنفيذ هذا القرار. ومن داخل البرلمان استطلعت وكالة الأنباء العربية قادة الأحزاب السودانية حول طرح الاستقلال بقرار تاريخي داخل البرلمان. نقلاً عن صحيفة آخر لحظة 19/2012م