يبقى سلوك الاستنجاد بالغرباء سلوكاً شاذاً ومستهجناً في عرف المجتمعات المتماسكة ذات الأصول العقدية، والأعراف المستقرة، لأن اللجوء خارج حظيرة الأسرة الواحدة، عرض للسوءات والعيوب للآخرين يعتبر من قبيل العقوق، و كشف المستور، و إبداء العورات التي كان بالإمكان تغطيتها، والسعي نحو إصلاحها، بدلاً عن إشانة السمعة المفضية نحو تمزيق الأواصر، والعبث بالأسرار. ونحن عندما نستعرض تاريخ المجتمعات الحديثة، لا يغيب عن أذهاننا ما فعله بعض أبناء العراق، الذين لم يقف حائلاً دون سلوكهم وازع من ضمير، أو قيمة من أخلاق، فطفقوا يلهثون وراء الولاياتالمتحدةالأمريكية، لتضرب العمق العراقي، وتدمر البنية الأساسية، وتشيع الفزع والرعب بكل أصقاع بلاد الرافدين، بقنابل حارقة وصواريخ ذات حمم ولهب، دون تمييز بين طفل غرير، وشيخ طاعن، أو إمرأة حبلى، أو تلك التي لتوها وضعت طفلاً يحتاج إلى إرضاع و هدهدة، وليس لديه إحساس بمن حوله من أحياء أو حياة تمور. وأولئك الذين انتشوا بسقوط الرئيس العراقي صدام حسين بفعل أمريكي خالص، هم الذين أتت بهم الولاياتالمتحدةالأمريكية لتنفيذ أغراضها ومشروعاتها بالعراق، أما هم، فالاعتقاد الذي ساد في نفوسهم بأنهم سيصبحون بديلاً لم يكن اعتقاداً صائباً، لكنه خداع للنفس، إذ كيف يكون مسوغ لأحد لم يزرع شجرة فيطمع في أكل ثمراتها، وكيف تكون القناعة قناعةً تقوم على الوفاء والإخلاص، والمروءة، وفي دواخل نفسه يعلم أنه قد تُوِّج ملكاً على جماجم القتلى بعد أكل لحومهم. كما أنهم ملكوا ساحات أُشعل في أطرافها حريق، قضى على الولد والبنت والجد، ميتماً لأطفال، وجاعلاً الكثير من النساء من قبيل الثكلى والباكيات. والسودانيون الذين نقلت لنا الأخبار أنهم قد استجاروا بالولاياتالمتحدةالأمريكية لتدعمهم، وتستبدل نظاماً بنظام، وديمقراطية بأخرى، أقل ما يقال عنهم إنهم ارتضوا وضع إرادة شعب وكرامة أمة، تحت أقدام الأمريكان، كما باعوا قضية بمثل الذين يطمحون في الغنى بممارسة تجارة المخدرات وغسيل الأموال. والاستقواء بالأجانب يظل خاصية لاصقة بمن رضعوا لبن الخيانة، وتربوا على فتات الموائد، مهما كانت اللافتات التي يصرون على رفعها. و لقد حدثني رجل صادق في معارضته عندما كان معارضاً كما أنه ليس أقل صدقاً وقد حزم متاعه وعاد إلى أرض الوطن، حيث كشف لي أن الذين يخدعون الشعب باسم تحالف قوى الاجماع الوطني في هذه الأيام، قد طلبوا على رؤوس الأشهاد من بعض الغربيين إثر تدمير مصنع الشفاء المفترى عليه، أن يتم تزويدهم بالراجمات والصواريخ والطائرات المقاتلة من أجل إحراق الخرطوم على بكرة أبيها، ليتسنى لهم دخولها كالأبطال حكاماً بالقصر الجمهوري. والرجل الذي كشف عن هذه المعلومات، لا يشك في شهادته أحد، عند النظر إلى ما يضطلع به حالياً من مجاهدات وتضحيات، في سبيل درء المكاره والكوارث عن هذا البلد، وعن أهله الكرماء. وعلينا إذن ألا يشغلنا أمر تافه، فيبذل كل فرد منا تجري دماء الوطنية في شرايينه وتفور في أعماقه حرارة الأصالة، الجهد الذي من شأنه أن يضع مبضع الجراح على هذا الورم الخبيث، وليس من ورم خبيث أجدر بالاجتثاث من ورم أولئك الباحثين عن دعم الأجانب، والاستقواء بهم، ليصلوا بنا إلى إشعال نار حارقة لا تستثني أحداً في هذه البلاد. نقلا عن صحيفة الانتباهة 20/12/2012