من الصعب الفصل ما بين وثيقة الفجر الجديد التى ما يزال الجدل دائراً حولها، وما بين الهجوم الذي شنّته الثورية – بعد 72 ساعة فقط من التوقيع على الوثيقة – على منطقتي (الحمرة) و (الإحيمر) بولاية جنوب كردفان . من المؤكد أن خطة الهجوم كانت على ارتباط وثيق بالوثيقة ولن يُستبعد فى هذا الصدد أن تكون الثورية قد تفاهمت مسبقاً – ضمن أمور أخرى عديدة – مع القوى السياسية الموقعة معها على وثيقة الفجر الجديد على شنّ هذا الهجوم. الجيش السوداني وعلى لسان المتحدث بإسمه العقيد الصوارمي خالد سعد قال الجمعة الماضية إن هجوماً نفذته الثورية على المنطقتين، وأن الجيش السوداني تصدى لها وكبدها حوالي 50 قتيلاً. العقيد الصوارمي قال إن الهجوم كان معززاً ب8 دبابات، بما يشير الى عزم المهاجمين احتلال المنطقتين. وبذا تتضح كل جوانب الوثيقة، بل تتضح حتى معالم الاجتماعات والتنسيق الذي شاركت فيه الأحزاب السودانية المعارضة في كمبالا. وهذا فى الواقع يدحض أكذوبة بعض قادة الأحزاب السودانية المعارضة التى قالوا وما زالوا يرددون إن اجتماعاتهم بالقوى المسلحة هي محاولات منهم لإقناعهم بالتخلي عن السلاح وانتهاج العمل السياسي السلمي، إذ أنه ومع عدم منطقية هذا الزعم من أساسه كما سبق أن أشرنا فى العديد من التحليلات السابقة باعتبار أن حملة السلاح لهم أجنداتهم ولهم جهات مرتبطين بها من المستحيل أن يتركوا أجنداتهم وجهاتهم الداعمة فقط لإرضاء هذه القوى السياسية؛ إلا أن الثورية نفسها -وبأدلة قاطعة- استطاعت أن تدحض هذا الزعم الكذوب بشنّها للهجوم. فلو كان صحيحاً أن المحاولات جارية لإقناعها بالعمل السلمي، مع شيوع هذا المناخ الشعبي العام فى السودان ضد توجهات الثورية وضد وثيقة الفجر الجديد لكانت الثورية – على الأقل فى الوقت الراهن – أوقفت عملياتها المسلحة وعملت على تهدئة الأمور. وتشير مصادر مطلعة فى العاصمة اليوغندية كمبالا -الجمعة الماضية- إلى أن قادة أحزاب المعارضة تلقوا معلومات بدت لهم قاطعة بشأن هجمات تعتزم الثورية القيام بها من شأنها الإطاحة بالحكومة السودانية فى غضون أيام، وهو الأمر الذي جعلهم يطمئنون على إمكانية نجاح العمليات ومن ثم قبلوا التوقيع على وثيقة الفجر الجديد على أمل أن تجري معالجات لاحقة عقب سقوط الحكومة. الأحزاب المعارضة وجدت حظوظها فى التمكن من إسقاط الحكومة السودانية -سلماً أو حرباً- شيء أبعد من المستحيل ولهذا –بحسب المصادر– لم تتوانى فى التواثق مع الثورية طالما أن الثورية قادرة وراغبة. المفارقة هنا -بحسب ذات المصادر- أن الأحزاب المعارضة لم تمعن التفكير جيداً فى العرض الذى قدمته الثورية، فلو أمعنت فكرها قليلاً لوجدت أن الثورية لا تملك عملياً سلاحاً يوصلها الى أيّ مدينة إستراتيجية حتى على مستوى جنوب كردفان دعك من بقية مدن السودان. كما أن قادتها منبوذين حتى فى مناطقهم ومن المستحيل أن يرحب بهم أحد، وفوق كل ذلك فإن التجربة السياسية فى السودان –قديماً وحديثاً– أثبتت فى أكثر من 3 حالات موثقة ومشهودة استحالة سيطرة متمردين على السلطة المركزية فى الخرطوم لاعتبارات جيوسياسية وتاريخية وأمور أخرى تتصل بطبيعة التركيبة السياسية والسكانية للسودانيين. والأدهى وأمرّ أن الأحزاب المعارضة صدّقت -بغير عقل وقلب- أن نجاح الثورية فى السيطرة على الأوضاع فى السودان يتيح لها لعب دور محوري فى غنيمة الحكم، وهو تصور خاطئ ومثير للدهشة والاستغراب لكون أنَّ من يقدِّم تضحية الدم والنار فى العادة لا يمكن أن يرضى باقتسام الكيكة مع الجالسين فى بيوتهم يجترّون الأماني والأحلام! لقد تكبدت الثورية –لسوء حظها– خسارة عسكرية ماحقة، إذ أنه وفضلاً عن ضخامة عدد القتلى (50) قتيلاً بالنظر الى قواتها، فإنها هزيمة سياسية متزامنة باحتراق وثيقتها المتهرئة البالية!