صدر عن السفارة الأمريكيةبالخرطوم أول أمس تصريح صحفي، حول العفو الرئاسي الذي صدر قبل أيام عن رئاسة الجمهورية بإطلاق سراح من قضى نصف مدة العقوبة بالسجن وفق التقليد المتبع في البلاد، ومن خلال التوصية التي ترفع للسيد رئيس الجمهورية ليمارس حقه الدستوري في إسقاط ما تبقى من العقوبة حسب ما يقتضيه العفو والمصلحة العامة، ويتم ذلك وفق ضوابط ومعايير محددة ومعروفة. وربما ظنَّت السفارة الأمريكيةبالخرطوم أو وردت إليها معلومات، أو تلقت كل معرفتها بهذا الخصوص مما نشر في إحدى الصحف اليومية، أن مبارك مصطفى المُدان بمساعدة قتلة الدبلوماسي الأمريكي جون غرانفيل وسائق العربة التي تقله عبد الرحمن عباس في 2008م بشارع عبد الله الطيب بالخرطوم، وعاونهم في الهرب من سجن كوبر بعد تمكنهم حفر نفق في يونيو2010م، قد استفاد من هذا العفو الرئاسي وأُطلق سراحه مع العشرات أو المئات من المدانين الذين تنطبق عليهم معايير العفو. وخلطت السفارة التي يبدو أنها تعجلت في بيان الإدانة التي جاءت «بشدة» وفق منطوق البيان، بين سلطة تقديرية للدولة السودانية يملكها رئيس الجمهورية تخول العفو لمن قضى نصف العقوبة، وبين إيفاء الدولة بالتزاماتها الأخلاقية والسياسية والقانونية بمعاقبة ومحاسبة كل المتورطين في قتل الدبلوماسي الأمريكي وسائقه، وقد فعلت السلطات الحكومية المختصة كل ما من شأنه تأكيد التزامها وقبضت على المتهمين وتمت محاكمتهم، وعندما هربوا تمكنت من مطاردتهم وقُتل أحدهم، وتم القبض على مبارك مصطفى الذي ساعدهم على الهرب وتمت محاكمته. ويذكر هنا أن وفد مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (I.B.F) عندما زار الخرطوم في 2008م لمتابعة التحقيقات بشأن مقتل غرانفيل، أشاد في تقارير مشهورة بأداء فرق المباحث المركزية بالشرطة السودانية وقدرتها الفائقة على فك طلاسم الجريمة وسرعة الوصول للجناة، وقالوا: «إن ما فعلته الشرطة السودانية لا يمكن أن نفعل نحن أفضل منه في مثل هذه الجرائم داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية نفسها».. ووردت إشارات في البيان تتناقض مع الرضاء الأمريكي عن الإجراءات التي اتبعتها السلطات المختصة في السودان حيال هذه القضية حتى لحظة صدور العفو الذي ربما استفاد منه مبارك مصطفى.. وفي محاولة ذات مغزى ابتزازي واضح سبقها ما يشبه إصدار الأوامر والتهديد قالت السفارة الأمريكية في تصريحها: «إن امتناع الحكومة السودانية عن سحب قرار العفو يخل بالتزام الولاياتالمتحدة والسودان بمحاربة الإرهاب ومحاسبة أولئك الذين يثبت تورطهم في النشاطات الإرهابية»!! فما هي الالتزامات التي سيُخل بها في حال لم تسحب الحكومة السودانية هذا العفو؟! وهل السودان لديه تعهد أو التزام مُبرم مع الولاياتالمتحدةالأمريكية في حربها المزعومة ضد الإرهاب ومحاسبته على النشاطات الإرهابية؟! الجريمة التي ارتكبها السودانيون الأربعة بقتل غرانفيل مدير مكتب الوكالة الدولية الأمريكية للتنمية في الخرطوم، تعامل السودان معها باعتبارها قضية جنائية ولم تُلق ظلال سياسية كثيفة عليها، وسمحت الحكومة السودانية لسفارة واشنطون ومبعوثيها بمتابعة سير التحقيقات والتحريات والمحاكمات، وحضرت والدة غرانفيل أيضاً جزءاً منها وصدر الحكم المعروف بإعدام الأربعة المتورطين في قتل الدبلوماسي الأمريكي. وتم ذلك دون أن يُشار إلى أن ذلك جزء من التزامات مشتركة بين الخرطوم وواشنطون في محاربة الإرهاب ومحاسبة المتورطين في النشاطات الإرهابية. فالتخليط الذي سعت إليه السفارة الأمريكية في هذا الموضوع لهو أمر وسلوك غريب، فيه توظيف لإجراء سوداني طبيعي بحق المسجونين في السجون، لأغراض سياسية واضحة تفوح رائحتها من تصريح السفارة الذي وُزع على وسائل الإعلام في الداخل والخارج. نقلا عن صحيفة الانتباهة السودانية 13/2/2013م