بلغة أهل القانون فإن الناشط السياسي السوداني، الشيوعي السابق صلاح البندر المقيم حالياً فى لندن قدم (مرافعة إتهام) قوية جداً ضد الحزب الشيوعي السوداني بشأن فتاة سودانية تُدعى (نهلة)، تحولت من الدين الإسلامي الى الإلحاد. وقائع القصة الغريبة الأطوار والتي جرت في العاصمة البريطانية لندن سردها البندر فى خطاب مفتوح الى الحزب الشيوعي السوداني، نشرته العديد من وسائل الإعلام والصحف السودانية والمواقع الاسفيرية. الاتهامات التى أطلقها البندر ضد الحزب الشيوعي فشل سكرتيره العام، محمد مختار الخطيب -رغم الديالكتيك- فى نفيه، بل إن السيد الخطيب أصابه قلقاً عميقاً جراء ما جري لدرجة قوله إنه يتوقع أن تجرّ الحادثة إلى حل الحزب أسوة بحادثة تورط فيها الحزب فى العام 1965م، وهي حادثة المعهد العلمي الشهيرة؛ والتي أدت الى حل الحزب يومها. البندر لخّص مرافعة إتهامه فى مواجهة الحزب الشيوعي بأن الحزب (دعم بقوة) طلب اللجوء السياسي الذى تقدمت به الفتاة الى السلطات البريطانية للحصول على اللجوء السياسي بناء على ما أقدمت عليه. الحزب الشيوعي فى لندن – بحسب البندر – عزّز طلب الفتاة، وقال إنها سوف تتعرض لخطر ماحق إن هي عادت الى بلادها جراء تحولها هذا! ويُستفاد منها أن الحزب الشيوعي يشجع بهذه المثابة القصص المماثلة ويفتح الطريق -أيضاً بحسب ما قال البندر- لكل طالب لجوء لاختطاط ذات الطريق وذات النهج، الأمر الذى بات يهدد الجالية السودانية فى لندن وفي عواصم أخرى. دفاع سكرتير الحزب الشيوعي السوداني وفقاً للحور الذي أجرته معه صحيفة (السوداني) -أواخر الأسبوع الماضي- إعتمد فقط على تكتيك التشكيك، أي إثارة الغبار حول رواية البندر ودوافعه واستصحاب ماضيه فى الحزب، وكونه يخدم أجندة معادية. أما أغرب ما ورد فى دفاع سكرتير عام الحزب فهو أنه لم يجرِ أيّ اتصال بالحزب فى لندن (لمعرفة الحاصل) كما أن الحزب هناك لم يتصل بقيادته هنا لإبلاغها بملابسات الموضوع! ومن المؤكد أن الحزب الشيوعي السوداني – أياً كانت نزعاته وتوجهات قيادته وعضويته – لن يكون مهتمّاً أو مهموماً بقضية تنصير فتاة سودانية مسلمة أو إلحادها، فهذا دون شك مما لا يستلفت انتباهه لطبيعة تركيبة الحزب؛ ولكن كان ولا يزال من الضروري للغاية أن يكون للحزب (رؤية ما)، حيال القصة، إذ ليس من المألوف ولا مما يستقيم مع القيم السودانية أن يسهم حزب سياسي فى عمل كهذا، أقل نتائجه كارثية أنه يزعزع المعتقدات الدينية ويشجع على زعزعتها، ويفعل ذلك علناً. نحن نعي ونفهم أن يشارك الحزب الشيوعي فى (تجنيد) أعضاء له بالكيفية التى يراها؛ إذ قد يقع ذلك فى إطار علمه السياسي، أو أن يهتم بتوسيع نطاق عضويته المنكمشة، فهذا أيضاً عمل تنظيمي يخدم وجوده، ولكن من الصعب فهم (استغلال) الحزب لظروف وحاجات مواطنين سودانيين (يتصيّدهم) فى الخارج بعيداً عن عائلاتهم وذويهم ليسيء بهم الى بلاده. فالسيد صلاح البندر ربما كان شيوعياً سابقاً أو ناشطاً سياسياً برؤى معينة، فهذه ليست مهمة ولكنه على الأقل أشار الى قضية إنسانية بالغة الخطورة والحساسية لا تقع ضمن مهام وأهداف الأحزاب السياسية، وقد فشل الحزب الشيوعي السوداني فى درء الجريمة عنه. إن مثل هذه الحوادث تؤشر الى الدرك السحيق الذى وقعت فيه الأحزاب السياسية السودانية والتي باتت تقتات على أحوال وظروف وحاجات المواطنين السودانيين بصورة علنية، فالحزب على ما عُرف عنه من عمل سري (وتحت الأرض) لم يستطع أن يلعب هذه اللعبة (تحت الأرض) ولعبها على الملأ، جاعلاً من عضويته فى عاصمة الضباب (سماسرة) لا يتورعون عن المضاربة فى عقائد البسطاء وأفكارهم وأخذ (الرسوم) بالجنيه الإسترليني عنها!