يبدو أن فرص التلاقي السياسي تبتعد قليلاً بين الفرقاء السودانيين وما ينتج من تصريحات سياسية من هؤلاء الفرقاء يجعل فرص التقارب في الوقت الحالي ضعيفة جداً في ظل حالة التنافر الحاد خاصة بعد احداث أبو كرشولا والهجوم على مدينة أم روابة وما كشف عنه مدير جهاز الأمن والمخابرات في مؤتمر صحفي الأحد الماضي من معلومات تؤكد الدعم الكبير الذي تتلقاه الجبهة الثورية من دولة الجنوب وخطة المعارضة الشمالية المناوئة لنظام الحكم والمتمثلة في اسقاط الحكومة أو النظام خلال مائة يوم حسب ما جاء في ترتيباتهم لهذا الأمر، والعلاقة بين أحداث أبو كرشولا وتحرك المعارضة في المائه وقوى التنسيق مع قوى اقليمية ودولية في تحقيق الهدف المشترك وهو اسقاط النظام. وكان البحث عن تسوية سياسية تستوعب المعارضة الشمالية في تحقيق رؤيتها السياسية بما لا يضر كثيراً في رؤية الحزب الحاكم السياسية والاستراتيجية والتواصل بين الحكومة والمعارضة في الاتفاق على نقاط سياسية مشتركة والعمل على ايجاد حلول لنقاط الاختلاف في الرؤى السياسية بين الطرفين، كاد هذا الأمر يكون متاحاً خاصة بعد توقيع الاتفاقيات التسع مع حكومة جنوب السودان في السابع والعشرين من سبتمبر الماضي، ومما يزيد فرص التلاقي بين القوى السياسية هي المشاركة الكبيرة للحزب الاتحادي الديمقراطي في الحكومة ودخول نجل السيد محمد الميرغني (جعفر) القصر الجمهوري مساعداً لرئيس الجمهورية، وكذلك دخول نجل السيد الصادق المهدي «عبد الرحمن» القصر الجمهوري مساعداً لرئيس الجمهورية، ولم يبق للمؤتمر الوطني سوى المؤتمر الشعبي وهم (اخوان الأمس) و(أعداء اليوم) والتجمع الوطني فاروق أبو عيسى، وفاروق أبو عيسى هو قانوني وسياسي تولى وزارة الخارجية السودانية وأصبح أميناً عاماً لاتحاد المحامين العرب، وهو الذي وقف حجر عثرة أمام اتحاد المحامين السودانيين في قبول عضويته في الاتحاد العربي للمحامين منذ 89-2005م بحجة ان اتحاد المحامين في السودان مسجل بموجب قانون (العمال) وهو أمر يحتم رفض عضويته في الاتحاد العربي للمحامين، ولم تفلح جهود الحكومة واتحاد المحامين السودانيين بقيادة المرحوم فتحي خليل في ذلك الوقت من الانضمام لاتحاد المحامين العرب إلا في عام 2005م بعد اجازة قانون الاتحادات المهنية لسنة 2004م، وان كانت هذه الفائدة الوحيدة التي تحسب لفاروق أبو عيسى التي جعلت الحكومة تجيز قانون الاتحادات المهنية وبموجبه نال اتحاد المحامين السودانيين عضوية الاتحاد العربي واستضاف في العام 2005م أول اجتماع للمكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب بقيادة المصري سامح عاشور والمغربي ابراهيم السملالي الأمين العام لاتحاد المحامين العرب، والذي خلف فاروق أبو عيسى في أمانة الاتحاد العربي. ولكن السيد فاروق أبو عيسى والذي يبدو اعلامياً انه أنشط وألد المعارضين للنظام الحاكم؛ ذلك لاختلاف توجهاته الايدولوجية مع الحزب الحاكم وبغضه لبعض الرموز فيه رغم أنهم زملاء مهنة وكفاح سياسي في ظل الحقب المختلفة. ولكن المعروف ان السيد فاروق أبو عيسى في ظل معارضته لحكومة الانقاذ الوطني لا يتكئ على رصيد شعبي أو رصيد فتوى وحتى قبلي أو جهوي، وانما دائماً يحاول أن يجعل من بعض القوى السياسية (عِصي) يتكئ عليها ويهش بها على هجوم النظام عليه، ويحاول أبو عيسى أن يبني مجداً من خلال تقديم الآخرين وجعلهم في (وجه) المدفع بينما ينبري هو للتصريحات الإعلامية ورئاسة اجتماعات المعارضة. وهذا الأمر أشار إليه السيد ياسر يوسف أمين أمانة الإعلام بالمؤتمر الوطني حيث قال في تصريحات بداية هذا الأسبوع عقب اجتماع الأمانة السياسية للحزب الحاكم قال يوسف (ان الشعب السوداني أكبر من أن ينساق وراء فاروق أبو عيسى). وهذا يدل ان فرص كسب المؤتمر الوطني في تحديد المعارضة أو ضمها لصفة أكبر من فرص أبو عيسى في توحيدها لمواجهة النظام واسقاطه خلال (المائة يوم)، وذلك لأن أبو عيسى يقاتل وحده والمؤتمر الوطني له العديد من الأسلحة التي تعينه على حسم المواجهة مع أبو عيسى. وبالتالي يكون ميدان المعركة هو ساحة المعارضة نفسها التي يراهن عليها أبو عيسى في خندقتها على صعيد واحد لمواجهة صلف النظام الذي استبعد كثيراً من وجهة نظره والمؤتمر الوطني يدخل المعركة وقد حسم جانب الحزب الاتحادي الأصل والمسجل وبقية الأحزاب المنشقة من (الأمة القومي)، وعادت إليه بعض رموز المؤتمر الشعبي، وبالتالي تكون الكفة في صالح الحزب الحاكم أكثر من المعارضة في كسب الجولة. ويبدو أن خطة المائة يوم لاسقاط النظام لم تعد من اهتمامات المؤتمر الوطني أولاً لأنها مضى منها الوقت الكبير وما تبقى لا يسعف المعارضة من تنفيذ هذا البرنامج خلال المدة الباقية، وحتى لو نفذت فإن النتائج ستكون غير التي تتوقعها المعارضة، لأن الظروف على الأرض ستكون في غير صالح هذه الخطة، وبالتالي فإن خيارات بعض القوى السياسية ستتجه إلى بدائل أخرى غير الاسقاط وهي البحث عن تسوية سياسية يكون مدخلها التحديات التي تواجه السودان كوطن وهي ذات الأسباب التي دفعت لمشاركة الأحزاب الكبرى في الحكومة، وان هذه التسوية السياسية التي قد تتراهن عليها القوى السياسية قد تجعل الفرص تضيق أمام السيد فاروق أبو عيسى ولم يبق أمامه سوى الحزب الشيوعي السوداني والذي لم تعد قيادته ذات كارزما مثل ما كان في الماضي وكما قال ظريف المدينة إذا أراد الحزب الشيوعي العمل (تحت الأرض) كما كان سابقاً فسيجد الأرض بها أنابيب مياه الشرب وأنابيب الصرف الصحي وكابيلات الكهرباء والاتصالات. وان كان هنالك شيئ يحمد للسيد فاروق أبو عيسى انه ظل يعارض هذا النظام بكل قوة واستعان بكثير من خبرته السياسية في اذكاء روح المعارضة هذه ولازال يقاتل لأن الأمل عنده كبير في أن يصل إلى هدفه. ومما يؤخذ على السيد فاروق أبو عيسى انه طوال هذه الفترة ظل يناطح (الصخر) ويقدم رأسه ضحية وآماله دون أن يستفيد لنفسه أو يقدم الفائدة لوطنه. نقلا عن صحيفة الصحافة السودانية 13/6/2013م