لم تقتصر أزمة الحركة الشعبية الإنتخابية المحتدمة حالياً على المستقلين الذين هم بالمئات والذين يتجهون لسحب البساط من المرشحين الحزبيين للحركة، ولا على تذبذبها في المواقف والتحالفات وضعف حملتها الإنتخابية، وإنما تفاقمت في الواقع أزمة الحركة الشعبية لتتخذ أبعاداً يمكن وصفها بأنها خطيرة ولها آثار مدمرة على مستقبلها السياسي سواء انفصلت باقليمها وأقامت دولتها المستقلة في الجنوب السوداني أو بقت ضمن الدولة السودانية الموحدة. فمن ناحية أولى، فقد ثبت بما لا يدع أدنى مجال للشك، أن المرشح الرئاسي للحركة ياسر عرمان كان يحاول زعزعة وجود أبناء النوبة ضمن قطاع الشمال ويدلل المراقبون على ذلك بما قيل أنه (تحريض) مورس على نواب الاختصاصيين للاستمرار في اضرابهم على الرغم من أن وزارة الصحة قد أوفت بالتزاماتها تجاههم، ومعروف أن وزارة الصحة تتولاها الدكتورة تابيتا بطرس وهي من أبناء النوبة وقيادية بالحركة الشعبية وقد اتسم أداء د. تابيتا في الوزارة بالمثابرة، ونالت إعجاب الجميع وهي في هذا الصدد شبيهة الى حد كبير بأداء د. لام اكول إبان توليه لحقيبة الخارجية، وجرت (عملية تآمر واضحة) أقصى بموجبها من الوزارة بزعم دعمه لحظ المؤتمر الوطني!! فيما يخص د. تابيتا فقد عجز عرمان ومن هم حوله في ايجاد شئ ما ينتقدون من خلاله أداء د. تابيتا، ولهذا اتخذوا اسلوب الزعزعة خاصة وأنه من المعلوم طبيعة توجهات غالب هؤلاء المضربين وخاصة ايضاً أن الوقت وتزامن العملية يشيران الى أن الامر ليس بمستوى البراءة وحسن النية العادي!، وتكمن هنا كارثة هذا الموقف حيث لم يفت على فطنة د. تابيتا ولا بقية قادة النوبة في الحركة فهذه هي الوزارة الوحيدة التي منحت لهم، ومع ذلك يريد البعض وضعها أمام إختبار سياسي صعب. هذا من جهة أولى، أما من الجهة الثانية فإن أبناء النوبة كانوا – وهم محقين – ينتظرون على الأقل أن تتم مشاورتهم بشأن مرشحهم للرئاسة باعتبار أنهم ضمن قطاع الشمال، ولعل خلافاتهم مع عرمان وما ظلوا يعانونه جراء هذه الخلافات كانت تدعو لإرضاؤهم، وهنا يتجلى عنصر الخيبة السياسية للحركة الشعبية فهي تطمع في أن تنضم جنوب كردفان وابيي عند اجراء المشورة الشعبية للجنوب ومع ذلك فهي تمارس تهميشاً متعمداً ضد ابناء النوبة. لقد افتضحت الآن خطة الذين يسيطرون على الحركة الشعبية في الشمال، فالحديث عن التهميش والوحدة الجاذبة وما ظللنا نستمع اليه باستمرار لم يكن سوى محض شعارات كاذبة ومضللة، ومن المفروغ منه الآن أن أبناء النوبة يمثلون خسارة فادحة تسببت فيها الحركة الشعبية جراء تصرفات بعض قادتها، والشئ الملفت للإنتباه هنا أن قادة النوبة أدركوا طبيعة المؤامرة وفهموا اللعبة ويبدو من الصعب ايجاد معالجة مرضية لهم!!