مما لا شك فيه أن السودان قد أصبح مادة دسمة لوسائل الإعلام العالمية في الأيام الماضية، وقد انفجرت الأوضاع فجأة دون إنذار، وقد نشط مراسلو القنوات العالمية ودبجوا تقاريرهم بمختلف الطرق، فمنهم من قدم ما حدث بحيادية وأبرز صورة الشارع بوضعه الراهن، وقد كان لتضارب التصريحات أثره الواضح على أداء القنوات: فقناة الجزيرة مثلاً أوردت في شريطها الإخباري أن عدد الذين سقطوا في المظاهرات الأخيرة فاق المائة، ثم عادت وحذفت الرقم وأوردت أن هناك قتلي، ثم استقت الرقم من وزارة الصحة السودانية وصححته بأنه تسعة وعشرين قتيلاً جراء الأحداث. قناة العربية وحدها التي حاولت أن ترسم صورة مغايرة لما يحدث في الواقع بل إنها سقطت في خطأ غريب، إذ أنها اتصلت بأحد قادة المعارضة الذي كان يتحدث عن قتلي وجرحي ودماء سالت أنهاراً، لكن الصور التي كانت تنقلها القناة كانت كلها لمحطات وقود محترقة وحال تجارية وسيارات محطمة تشتعل فيها النيران، ولم تنجح في إبراز صورة قتيل واحد سوى جنازة مضي عليها يومان من تاريخ التقرير. الدكتور الإعلامي ياسر محجوب سألناه عن موقف العربية مما يحدث بالسودان خاصة بعد أن هاجمها وزير الإعلام في مؤتمر الصحفي الأخير واصفاً إياها بعدم الحياد، فأجاب الدكتور ياسر إن العربية ماضية مع توجيهات إحدي الدول العربية المعروفة والتي لا تورد في منابرها الرسمية أي تقرير أو خبر مسيء للسودان، وذلك حتى تستطيع إنكار ما أوردته العربية كقناة مستقلة، مشيراً إلى تأثير العربية الواضح فيما يحدث في الجارة مصر، إذ أنها لا تتحدث عن المتظاهرين إلا بصفة البلطجية والمخربين مع أن هناك أنهاراً من الدماء تسيل في الشارع المصري، ويواصل الدكتور ياسر إن الدولة التي تدعم العربية تريد المحافظة على النظم العربية التقليدية ولا ترغب في أن يتولي الحكم إسلاميون، بل أن يكون الإسلام وفق المعايير الأمريكية ينحصر فقط في الحدود ولا يؤثر في النظام الاقتصادي أو السياسة الخارجية للدولة، مشيراً إلى أن دعم العربية لنظام مبارك ومن بعده نظام السيسي يأتي في سياق أن السيسي هو الوجه الجديد لمبارك، وختم بقوله إن ما تقدمه العربية عن السودان يوضح عداءها السافر للإخوان المسلمين الذين يودون تطبيق الشرع على المستويات كافة. في العام 2010م قدمت قناة العربية تقريرين غاية في الغرابة، الأول يتحدث عن الرئيس البشير فيما يشبه السيرة الذاتية إلا انها حرصت على إيراد صورة للرئيس وبجواره الشهيد أسامة بن لادن في إشارة واضحة لعلاقة قديمة بين النظام في السودان وبن لادن، مع أن الصورة كانت لافتتاح أحد مشروعات بين لادن الاستثمارية. أما التقرير الثاني فقد كان عن أكل السودانيين ل(الجراد)، والمعروف أن بعض السودانيين يأكلون الجراد كوجبة شعبية وهذا أمر معروف في أفريقيا، الا أن التقرير ذهب إلى أن ذلك مرده المجاعة التي ضربت السودان إلى درجة أضطر أهله لأكل الجراد. إن الواجب الحتمي على أجهزة الإعلام وفق ميثاق الأممالمتحدة التزام الحياد، وذلك ما يمنح الحصانة للإعلامي حتى وسط أتون الحروب لذلك فمن واجبات الإعلامي أن يلتزم ذلك الحياد ويستخدم حقه في نقل الرأي والرأي الآخر، ولكن أن يورد الجهاز الإعلامي الحقيقة مجتزأة، فذلك إخلال واضح بميثاق الشرف الإعلامي الواجب احترامه. ومن المضحك أن قناة العربية أوردت تقريراً الاثنين الماضي عن جموع هادرة تتحرك من مناطق بري والسوق العربي متجهة نحو القصر الجمهوري لما له من رمزية في كل الثورات التي قامت بالسودان أو كما قالت. ولا ينكر إلا مكابر أن مجموعة من المواطنين السودانيين خرجوا إلى الشارع ضد قرار رفع الدعم عن المحروقات، وكل ذي بصر وبصيرة رأي أن هناك مجموعات استغلت الوضع فقامت بإحراق وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة التي هي ملك للشعب السوداني فمن باب أولي أن يتم تقديم الحدث كما هو حتى يعلم من أراد الخروج مستقبلاً أن يقوم بالأمر على الوجه الصحيح.