رجح خبير في العلوم السياسية جلوس الحكومة السودانية ومتمردي إقليم دارفور المضطرب على مائدة المفاوضات ‘نتيجة الضغط الأوروبي والأمريكي عليهما'. وخلال الشهور الأخيرة نشط رئيس بعثة حفظ السلام المشتركة بين الإتحاد الأفريقي والأمم المتحدة بإقليم دارفور، محمد بن شمباس، في تحريك الجمود الذي يكتنف ملف التفاوض بين الحركات المتمردة والحكومة، لكن جهوده لا تزال على المحك بسبب التباين في وجهات النظر بين طرفي النزاع والذي يسعى لتخفيفه من خلال ورشة فنية بأديس ابابا حدد لها الشهر المقبل. ‘وقال أستاذ العلوم السياسية، بجامعة أم درمان الإسلامية، صلاح الدومة في تصريحات هاتفية لوكالة الأناضول، إن الحكومة والحركات ستذهبان للتفاوض ‘نتيجة الضغط الأوربي والأمريكي عليهما'. ورأى'أن ‘تحركات شمباس لا يمكن قراءتها بمعزل عن الأوضاع الخارجية والمساعي الأمريكية والأوربية الآن لخفض التوترات بالمنطقة مثل الملف النووي الإيراني والملف الكيميائي السوري وإيجاد حلول سلمية'.'وأشار إلى أن المجتمع الدولي يريد الآن حلا شاملا للأزمة السودانية ‘وسيفرضه على أطراف النزاع′، حسب قوله. من جهته،'قال عميد كلية العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري آدم محمد أحمد، في الخرطوم، إن جهود شمباس لإستئناف التفاوض تعترضها عقبتان هما إصرار الحكومة على أن تكون إتفاقية الدوحة مرجعية للتفاوض والثانية إصرار حركات دارفور أن تتفاوض تحت مظلة الجبهة الثورية التي تجمعها مع الحركة الشعبية لقطاع الشمال وتمسكها بالحل الشامل. واستطرد أحمد، المهتم بالشأن الدارفوري، لوكالة الأناضول، أن المجتمع الدولي الذي كان مؤيدا لرؤية الحكومة بضرورة التفاوض بناء على إتفاقية الدوحة بدأ يتراجع عن ذلك ويقتنع بضرورة الحل الشامل. ورأى أن ‘مشكلة دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق يصعب حلها بشكل جزئي والأفضل حلها ضمن حل شامل'. ويشهد إقليم دارفور منذ العام 2003 قتالا ضاريا بين الجيش وثلاث حركات متمردة خلف مئات آلاف من القتلى وشرد نحو 2 مليون شخص، بحسب إحصائيات أممية، وتسبب في ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية للرئيس السوداني عمر البشير بتهمة تدبيره لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية بالإقليم. وعلى مدار 10 أعوام شهدت عدة عواصم أفريقية وعربية مباحثات سلام بين الحكومة والحركات المتمردة لكن أيا منها لم تضع حدا للحرب أو تسهم في استقرار الأوضاع رغم التوصل لاتفاقيات سلام في بعضها. ورفضت الثلاث حركات الرئيسية وهي العدل والمساواة، تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور، تحرير السودان بقيادة أركو مناوي، التوقيع على وثيقة سلام برعاية قطرية في يوليو/تموز 2011 رغم الدعم الدولي القوي الذي حظيت به بينما وقعت عليها حركة التحرير والعدالة لكنها الحركة الأقل نفوذا حيث تشكلت من مجموعات منشقة عن الحركات الرئيسية. ووقعت حركة أركو مناوي، الذي إنشق عن الحركة الأم بقيادة نور في 2006، على إتفاق سلام مع الحكومة في العاصمة النيجرية أبوجا برعاية الإتحاد الأفريقي في ذات العام، لكنه تمرد مرة أخرى في 2010 متهما الحكومة بالتنصل عن تنفيذ الإتفاق. وفي أبريل/نيسان الماضي انضمت مجموعة منشقة عن حركة العدل والمساواة وهي أقوى الحركات المسلحة لإتفاقية الدوحة. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2011 شكلت حركات دارفور الثلاث تحالفا باسم الجبهة الثورية ضم أيضا الحركة الشعبية (قطاع الشمال) التي تحارب الحكومة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق المتاخمتين لدولة جنوب السودان وتتهم الخرطومجوبا بدعمها. وتصر الخرطوم على أن أي تفاوض مع حركات دارفور لا بد أن تكون مرجعيته إتفاقية الدوحة، وهو ما ترفضه الحركات التي تقول أن الإتفاقية غير عادلة وتقتصر على إقليم دارفور، وترى أن حل أزمة الإقليم لا بد أن يكون في إطار حل شامل للأزمة السودانية على رأسها أزمة الحكم ويضمن تحولا ديمقراطيا وإعادة هيكلة الدولة وإقتسام عادل للسلطة والثورة بين أقاليم البلاد. وفي نهاية أغسطس/آب الماضي عقد محمد بن شمباس، رئيس بعثة حفظ السلام، والذي يشغل أيضا منصب كبير الوسطاء، سلسلة إجتماعات مع رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم ورئيس حركة تحرير السودان أركو مناوي بمدينة أروشا التنزانية بغرض التمهيد لإسئتناف التفاوض. وقبل أسبوعين زار شمباس دولة جنوب السودان وطلب من نائب رئيسها جيمس واني دعم جهوده لإحلال السلام وفعل نفس الشيء مع الرئيس التشادي إدريس دبي خلال زيارته لأنجمينا قبل أسبوع. وللبلدان تأثير مهم من خلال جوارهما للأقليم حيث تقع تشاد على حدوده الغربية وكانت تؤوي الحركات المتمردة في أراضيها قبل أن تبعدها في 2009 بعد توقيعها لإتفاق سلام مع الخرطوم يمنع أي طرف من دعم المتمردين على الاخر حيث كانت الخرطوم تؤوي أيضا عناصر من المعارضة التشادية. وكانت الخرطوم تتهم جوبا أيضا بدعم الحركات المتمردة في أقليم دارفور المتاخم لها قبل أن تتوصل لإتفاق معها مماثل لإتفاقها مع تشاد. ويأمل شمباس في نجاح الورشة الفنية المقرر عقدها بأديس ابابا في كانون الاول/ديسمبر المقبل رغم التصعيد العسكري بين الطرفين منذ اسابيع بعد إعلان الخرطوم لحملة لدحر التمرد خلال الصيف المقبل. وأعلنت الخرطوم رسميا مشاركتها في الورشة التي ستضم خبراء محليين' ودوليين لكن المتحدث بإسم حركة العدل والمساواة جبريل آدم بلال قال ان حركته لم تحدد بعد إن كانت ستشارك أم لا . واضاف بلال'لمراسل الأناضول ‘ الورشة ليس الغرض منها التمهيد للتفاوض بل مناقشة بعض القضايا ذات الصلة بالأوضاع السياسية والأمنية والإنسانية ومعرفة الخلفيات التاريخية للصراع في الإقليم وكيفية التعامل معه'. وشكك بلال'في جدية الحكومة في المفاوضات قائلا ‘موقف الحكومة كالعادة ترجيح كفة الحلول العسكرية وأكبر دليل على ذلك تحريك المليشيات والجيوش الجرارة في الأسابيع الماضية وإعلان موقفها الداعي للحسم العسكري خلال هذا العام'. وتابع ‘لقد خسروا هذه الجولة بتمكن قوات الجبهة الثورية من القضاء على أكثر من 70 ‘ من القوات والمليشيات الحكومية ولذلك أعلن بعض قيادات النظام رغبتهم في التفاوض لمواقف تكتيكية وليس رغبة أكيدة في السلام'. وبشأن شروطهم لإستئناف التفاوض قال ‘ ليست هناك شروط في السلام وإنما ضروريات ومبادئ لابد من الإلتزام بها وهي السلام الشامل الذي لا يقبل التجزئة.' المصدر: القدس العربي 2/12/2013م