حزمة من التساؤلات طرحتها الزيارات المتكررة للسفير الأمريكي بالخرطوم "جوزيف استافورد" لمشايخ الطرق الصوفية في السودان، كانت آخرها أمس الأول ل"خلاوي المجاذيب" بولاية نهر النيل، التي ذهبت فيها بعض التحليلات إلي أن العلاقة المتأرجحة بين حكومة الخرطوم والإدارة الأمريكية، جعلت الأخيرة تبحث عن طرف ثالث، بعيداً عن الحكومة والمعارضة، لأنها ترغب في تغيير النظام في السودان. بعد أن أصبحت لا تثق في إمكانيات المعارضة، ولا تميل إلي التغيير العنيف الذي يمكن أن يقود السودان إلي حالة الفوضى، قد تؤثر علي دول مجاورة، تربطها مصالح بالإدارة الأمريكية، من ناحية أخري، قد تكون أمريكا فهمت أن الإسلام يمثل خياراً عاماً لأهل السودان والطرق الصوفية تحظي بتأييد وقبول وسط المجتمع، الذي يدين لها بالولاء المطلق. وفي الوقت ذاته فإن الطرق الصوفية، بالنسبة لأمريكا، تمثل التيار الوسطي أو ما تسميه بالإسلام المعتدل، الأمر الذي يؤكده السفير الأمريكي، بأن تركيز واشنطون علي الطرق الصوفية يأتي في إطار تمثيلها للإسلام الوسطي المعتدل والمسالم، وهو يشير في الوقت ذاته إلي أنهم يرغبون في الدخول إلي المجتمع السوداني المسلم عبر بوابة الطرق الصوفية. فيما يري البعض أن هذه الزيارات لا تخرج من كونها علاقات عامة، أرادت الإدارة الأمريكية من خلاها، إثبات عدم عدائها لأهل الدين، ويعلل هذا البعض، بأن أهل الطرق الصوفية يديرون علاقتهم السياسية بطريقة متوازنة؛ رغم أنهم عرفوا بمساندتهم للحكومات، والحال كذلك بالنسبة للسلطة الحالية، ما يعني عدم إمكانية تفكير أمريكا في أدوار أخري، ثمة توقعات بأن تكون الإدارة الأمريكية أرادت – من هذه الزيارات – تحسين صورتها وسط المجتمع السوداني والتأكيد علي عدم عدائها للسودان كدولة تتمسك بالإسلام ، الأمر الذي يساعد في إبعاد شبهة أنها تقف ضد الإسلام حتي تصبح مقبولة شعبياً، خصوصاً إذا ما تعمقنا في تفاصيل زيارة "استافورد" الأخيرة لشيوخ "خلاوي المجاذيب" بولاية نهر النيل، إذ نجد أن فكرة تسويق القبول الشعبي في السودان لأمريكا، هي الأكثر ترجيحاً، بعد قول "استافورد" : لدينا أبحاث عن الطرق الصوفية، ونعلم بأن مريديها يحبون من القلب إلي القلب وغير متملقين كالأحزاب السياسية". لطالما صرح السفير الأمريكي بأن مثل هذه الزيارات تأتي في الإطار الاجتماعي والإنساني للقاء قادة الطرق الصوفية وهو يشير الي ان بلاده تحترم الإسلام ورجالات الدين الإسلامي وان اهتمامه يأتي من منطلق ان الصوفية ساهمت في نشر الإسلام ولم يخف نيته في لقاء كل أهل الدين بصورة عامة لكن هذه الزيارات استوقفت كثيراً من المهتمين لا سيما ان أمريكا لا تبني علاقتها أياً كانت شعبية ام رسمية مع الدول الإسلامية علي أساس الدين بل ان الذين يعتبر في رأي البعض من قضايا الخلاف الأساسية خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلا أن هناك من يشير الي ثمة علاقة قديمة تم التأسيس لها في حقبة سابقة بين الغرب ممثلاً في الإدارة البريطانية ورجال الطرق الصوفية في السودان أرجعها بعضهم الي فترة ما قبل الاستقلال حينما كانت الإدارة البريطانية تقرب بعض قياداتهم فيما يري آخرون ان هذه الزيارات بمثابة تبييض للوجه الأمريكي ، للتبرؤ من تهمة العداء للإسلام من جهة وللتقرب الي الطرق الصوفية كمدخل للمجتمعات المسلمة باعتبار أنها أكثر اعتدالا من العناصر الأخرى كالجهاد والقاعدة ؛ لذلك فالولاياتالمتحدة تعتقد ان الطرق الصوفية ليس لديها عداء معها ولا يحركون الفئات المتطرفة؛ لذلك يبدو إسلام الصوفية في نظر واشنطن معتدلاً ويتماشي مع السياسة الأمريكية إضافة الي ان هذه الزيارة تعتبر كرسالة للرأي العام مفادها ان واشنطن ليس لديها أي موقف سلبي تجاه المسلمين والإسلام . وربما كانت رسالة موجهة لكافة الشعوب في العالم الإسلامي للتقليل من الكراهية تجاه أمريكا وهي رسالة لإقناع تلك الشعوب بأنه ليس لديهم بالمقابل أي عداء تجاه السودان إنما عداؤهم موجه حصرياً نحو الأنظمة المتطرفة. من ناحية أخري يفسر البعض ما تقوم به الإدارة الأمريكية في السودان؛ ممثلا في زيارة القائم بالأعمال في الخرطوم لدور مشايخ الطرق الصوفية وحركته الواسعة هذه الأيام بمثابة جس النبض وللتعرف علي النفوذ السياسي للطرق الصوفية واتجاهات الولاء في أوساطها هل هي قريبة من السلطة الحاكمة؟أم العكس وما طبيعة منهجها هل يشابه منهج المهدية الجهادي؟ أم يقترب من رؤية تنظيم القاعدة أم انه منهج معتدا؟ بالعودة الي الإسلام المعتدل والمتطرف حسب ما تصنفه الإدارة الأمريكية ثمة اعتقاد بأن يكون الغرض من هذه الزيارات الأمريكية لمشايخ الطرق الصوفية هو التقرب من التيار المضاد للإسلام الأصولي أي المتطرف،حسب ما تعرفه الولاياتالمتحدةالأمريكية بجانب محاولة التأسيس لعلاقة مع المجتمعات السودانية حتي تؤكد عدم وجود مشكلة بينها وبين السودانيين كمجتمع وما يدعم هذا التوجه ان " استافورد" نفسه سبق ان تحدث عن الفترة القادمة ستشهد إقامة علاقات اجتماعية واسعة وزيارة القائم بالأعمال ل" خلاوي المجاذيب" قد تحمل أكثر من تفسير لكن الاقوي حضوراً ووفقاً لمؤشرات الزيارة ومتطبات السياسة قد يكون تقوية علاقة أمريكا بالمجتمعات السودانية كمدخل لإحداث اختراق في العلاقات الشعبية والرسمية في السودان. فهل تنجح أمريكا الرسمية في تطبيع علاقتها مع السودان من خلال المشايخ؟ نقلا عن صحيفة الخرطوم 3/12/2013م