وسط تزايد الشعور الإقليمي والدولي بالحذر والادانة والتفاؤل من اجل إنهاء الأزمة المستمرة في جمهورية جنوب السودان تحت مظلة آلية إيقاد " السودان وإثيوبيا و كينيا "، تجري محاولات جادة لبدء المفاوضات الشائكة بين الحكومة الجنوبية و معارضيها في أديس أبابا برغم ازدياد المخاوف من فشل هذه الجهود. وبدا نجاح إيقاد عقب القمة الاستثنائية لتجمع إقليمي في كينيا يوم 27 ديسمبر حيث دعت القمة الأطراف في جنوب السودان إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية وبدء حوار سياسي غير مشروط ، في حين حثت ايقاد المجتمع الإقليمي والدولي للتصدي لتدهور الوضع الإنساني . ومع ذلك ، مازالت وتيرة القتال في تزايد وتوسعت المنطقة الجغرافية للمواجهات العسكرية بالإضافة إلى تصعيدات أخرى خطيرة على الأرض تزيد من المخاوف والقلق على مستقبل السلام في جنوب السودان وتؤثر على الانسجام الاجتماعي والتعايش السلمي في الدولة الوليدة، وعلى رأسها القتال الذي لا يزال مستمرا بين الطرفين. وإدراكا لأهمية "النواحي القبلية " في تشكيل وتوجيه التطورات الراهنة في أحدث دولة على هذا الكوكب، فإن المخاوف من تصاعد التوترات العرقية لا تزال منطقية. و أبرز تلك التهديدات والمخاوف الجديدة ما تضمنته التقارير الإعلامية والاستخباراتية التي تشير إلى تورط المرتزقة الأفارقة والحركات السلبية لدول اخرى، في العمليات العدائية الجارية ، و تشمل مجموعة M23 المدعومة من أوغندا و المتمردين السودانيين و الجماعات المتمردة وهي حركة العدل و المساواة و متمردو دارفور . ومع الأخذ في الاعتبار الأبعاد الإثنية لهذه الموجة الحالية من الحرب الأهلية في جنوب السودان هناك حقيقة أن الجزء الأكبر من القوات الحكومية التي تقاتل بجانب الرئيس سلفاكير هم من الدينكا ، أكبر قبيلة ، في حين أن الجزء الأكبر من المعارضين العسكريين له هم من النوير، ثاني أكبر قبيلة في جنوب السودان ، وهذا الواقع يضاف إلى خطورة وتعقيد الوضع في جنوب السودان . وبالتالي ، فإن إشراك هؤلاء المرتزقة و الحركات السلبية في العنف العرقي بمثابة إضافة الملح إلى الجرح و يؤدي إلى مضاعفات أكثر لا داعي لها ومن شأنها تهديد فرص إيقاد لتحقيق السلام ، بما في ذلك السلم الاجتماعي والوئام المجتمعي ، هناك. هذه النقطة تستدعي المزيد من الاهتمام ، إذ علينا أن نتذكر دائما أن الحركات ومجموعات المرتزقة الافريقية، تم تأسيسها ومازالت تعمل على أسس عرقية ؛ فمجموعة M23 تمثل التوتسي ، وحركة العدل والمساواة السودانية تمثل قبائل الزغاوة بينما يمثل متمردي دارفور الاخرين قبيلة الفور. وتمشيا مع ذلك ، فإن تقارير وسائل الاعلام بشأن إشراك هذه المجموعات المرتزقة في الأعمال الوحشية العرقية والإثنية في جنوب السودان تستند إلى تاريخ مشترك لهؤلاء المرتزقة لديهم . فعلى سبيل المثال ، مجموعة M23 وجهت اليها تهما بممارسة انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في إقليم شمال كيفو في جمهورية الكونغو الديمقراطية . ومن ناحية أخرى ، حركة العدل والمساواة السودانية والمتمردين الأخرين ارتكبوا سلسلة من مثل هذه الانتهاكات بما في ذلك عمليات القتل الجماعي التي مارسوها داخل فصائلها على أساس أثني . وقد أثارت مشاركة المرتزقة السودانيين في الصراع القبلي الجنوبي أيضا دهشة العديد من المراقبين بعد ان كان يتوقع منهم ، منطقيا ، الوقوف بجانب المعارضة بدلا من الوقوف مع الرئيس سالفا كير. هذا التصور ، ومع ذلك، يتجاهل الدور الأوغندي في الصراع الدائر من جهة، و الطبيعة الانتهازية لهؤلاء المرتزقة من جهة أخرى. فتشير التقارير الى ان النظام الأوغندي هو الذي وجه المرتزقة السودانية للقتال بجانب الرئيس كير . ومن المهم أن نلاحظ أن كبار القادة لحركات التمرد السودانية يقيمون في كمبالا حيث يتمتعون بتأييد كامل وواضح من السلطة الأوغندية . وجاءت هذه التوجيهات متزامنة مع التدخل العسكري لكمبالا في جنوب السودان عن طريق إرسال لواء بجانب تنظيم الهجمات الجوية على المتمردين. بالإضافة إلى ذلك ، كانت كمبالا هي من أصدر توجيهات وتسهيلات لنشر قوات M23 في ساحات القتال في جنوب السودان. ان التاريخ الحديث للحركات المرتزقة السودانية يعيد نفسه . فالغالبية منهم لعبوا أدوارا مماثلة في ليبيا وتشاد ، حيث في كلتا الحالتين مارسوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. كذلك فإن التدخل الأوغندي لم يقتصر على الجانب العسكري ؛ كالنشر المباشر للقوات أو من خلال استخدام المرتزقة و وكلاء الحرب ، ولكن وقد تجلى ايضا في أشكال سياسية أخرى. فقد أرسل الرئيس موسيفيني ، خلال زيارته لجوبا عشية قمة ايقاد ، رسائل تهديد إلى معارضي كير من " هزيمة عسكرية " وشيكة إذا ما رفضوا مبادرة الإيقاد. مع الأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن أوغندا ليست عضواً في آلية إيقاد ، مما أثار مخاوف المراقبين من أن مثل هذا التدخل الأوغندي سوف يترك آثارا سلبية على جهود سلام إيقاد ، من جهة، و على استقرار جنوب السودان من جهة أخرى . ثلاثة أسابيع مرت بالفعل منذ اندلاع هذه الحرب الأهلية في جنوب السودان، خطورة الوضع الإنساني واضحة، و تظل احتمالات السلام ضعيفة بالنظر إلى الاتجاهات الحالية في القتال. ونشرت وسائل الإعلام الإقليمية والدولية تقاريرا تكشف عن تطورات مخيفة و فظيعة في جنوب السودان . ومن هذا المنعطف ، فقد حان الوقت للمجتمع الدولي ان يذكر الرئيسين كير و موسيفيني بخطورة انتهاك القوانين الدولية التي تجرم استخدام المرتزقة .