ان علي الجبهة الثورية ومثيلاتها ومن يقفون خلفها ويستثمرون فيها ويعولون سياسياً وعسكرياً ان يعيدو النظر في حساباتهم علي ضوء ما يجري ويحدث الآن بل علي ضوء ما جعل الحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها الشعبي (*) وهي في قمة مجدها السياسي والعسكري تلقي السلاح وتميل الي الحل السياسي وان لم يوافق ذلك مزاج حلفائها من زعماء الأحزاب المعارضة الشمالية التي سلمت ذقنها بالكامل للعقيد قرنق..! ومثل هذا الطرح والحديث لا يلقي جزافاً أو هكذا وإنما مؤسس علي ما يمكن الرجوع إليه والتفكير فيه لاسيما ان السياسة دوماً هي فن الممكن. الجبهة الثورية هي الجناح العسكري لقطاع الشمال في الحركة الشعبية وأداة أولاد قرنق في إعادة استنساخ السودان الجديد العلماني الاشتراكي الموحد الذي قضي عليه اتفاق نيفاشا ببروتوكولاته وأجندته التي نفذت بالكامل بعد رحيل القائد قرنق وأدت الي الانفصال بين الشمال والجنوب ليصبحا جمهوريتين هما: جمهورية السودان وجمهورية جنوب السودان. وقد كان باقان وعرمان وأتباعهما ممن عرفوا ب(أولاد قرنق) يعولون في مشروعهما ذاك علي: السلطة في دولة الجنوب وأصدقائها من ول الجوار وغيرها. وأحزاب الإجماع الوطني المعارضة في جمهورية السودان والجماعات المتمردة حاملة السلاح في دارفور . إلا انه بالنظر الي ما جري علي الصعيدين المذكورين يجد المراقب والمحلل السياسي ان الاستثمار وإيداع كل الآمال والتطلعات في سلة دولة الجنوب التي طرأ عليها ما طرأ وفي شهادة المعارضة الاستثمارية التي ليست لها مقومات النجاح حسب ما رأينا من قبل ونري هذه الأيام يعد من ملامح الخسران المبين. فالحركة الشعبية * الحزب الحاكم وجمهورية جنوب السودان التي استقلت بمواردها النفطية وبعلاقتها الخارجية قد كانت بادئ المر عنصر ضغط امني واقتصادي ودبلوماسي علي جمهورية السودان الدولة المجاورة التي لها ما يمكن ان يحقق المنافع والمصالح بين الدولتين الجارتين ولكن الحال كما هو معلوم لم يستمر علي ما اشتهي وحلم به أولاد قرنق إذ أن حسابات الحزب والدولة انتهت الي ان الحال في الجمهورية الوليدة لن يستقر او يستمر دون اتفاقيات سلام ووئام وتعاون بين الدولتين وهذا ما انتهي إليه الحال بالفعل بعد مفاوضات وتفاهمات استمرت لوقت طويل ونجبت اتفاق التعاون المشترك الذي كان من منتجاته: إعادة تدفق نفط الجنوب عبر خطوط الشمال وصولاً الي التكرير والتصدير عبر موانئ البحر الأحمر. حظر الحركات الشمالية المتمردة حاملة السلاح من الانطلاق من دولة الجنوب ثم فتح الحدود وتأمينها والعمل علي استكمال ما علق من بنود خاصة بالحدود. وقد أدي اتفاق توفيق الأوضاع والأمن والمصالح هذا الي الانعكاس سلباً علي طموحات قطاع الشمال وداعميه من أحزاب المعارضة في الشمال ولم يقف الحال عند ذلك بطبيعة الحال ذلك ان الأمر وصل الي انقسام بين القيادات في الحزب الحاكم بالجنوب بحيث وصل الي درجة حمل السلاح والإلقاء بعدد من القيادات في المعتقلات وهو أمر لا يسعد أو يحقق مصلحة إلا انه مظهر من مظاهر الخلاف الذي تسعي دول الجوار ومنها السودان ودول الإيقاد ويوغندا الي لملمته ودرء آثاره السالبة جنوبياً وغير ذلك. هذا هو ما يجب ان يكون في حسابات قطاع الشمال في الجنوب وفي حسابات شركاء وداعمي الجبهة الثورية من أحزاب المعارضة في جمهورية السودان أيضاً. والخسارة ليست في دولة الجنوب وحدها وان كانت هناك أكثر واكبر ولكن في جمهورية السودان أيضاً حيث أصيبت أحزاب المعارضة بتصدعات في العلاقات في ما بينها وفي البناء الحزبي الخاص بكل حزب والإحالة هنا الي ما يجري هذه الأيام بين: حزب الأمة القومي والحزب الشيوعي السوداني. وبين قيادات الشيوعي والشعبي أي "الكمالين" الاعلي صوتاً وحساً في الحزبين. فحزب الأمة القومي وجه الاتهام في قتل الأنصار ب"الجزيرة أبا" في أيام ثورة مايو الأولي للحزب الشيوعي السوداني وربما وصل الأمر بين الطرفين الي سوح القضاء ولم يخل الأمر من الملاسنات والمخاشنات فقد كانت للسيد أبو عيسي تصريحاته الصحفية المشهورة في هذا المجال. وما ذكرنا في سياق العلاقات بين أحزاب المعارضة وهي ليست علي ما يرام بل سيئة، نجد ان لذلك أثره علي قطاع الشمال وأدواته العسكرية (الجبهة الثورية) التي تأذت مما جري في الجنوب ، وجاء ما يجري في الشمال ليزيد الطين بلة كما يقولون.. ذلك علاوة علي الصراعات داخل هذه الأحزاب وأشهرها ما يجري علي ساحة المؤتمر الشعبي وحزب الأمة القومي فالأخير يشهد ثورة شبابية كما يقولون والأول حملة صحفية نقدية علي مستوي قيادي عال. وفي ظل هذا كله تموت نغمة إسقاط النظام التي تحل محلها هذه الأيام جملة قرارات وانجازات تجد قبولاً من الرأي العام وأشهرها ما حدث من مشاريع ومكاسب تنموية نعم بها عدد من الولايات كولاية الجزيرة وغيرها. إن خيار السلام الذي جعلناه عنواناً ل" المشهد السياسي" اليوم هو خير ما يهدي للجبهة الثورية ويلقي بين يديها والحديث عن السلام هو السائد ويرع الجميع رايته هذه الأيام في الداخل والخارج في وقت واحد ولم نقل ذلك بلا مبررات أو دواع يجدها من يهمه الأمر في هذا المشهد. فعلي أولاد قرنق ولا سيما قادة قطاع الشمال ورافعي شعار (السودان الجديد العلماني الاشتراكي الموحد) الذي تركه القائد الراحل جون قرنق دي مبيور خلفه منذ مفاوضات ابوجا وصولاً الي المنتجعات الكينية وأشهرها (نيفاشا) التي توجت فيها مفاوضات السلام في يناير 2005م فقد حسب قرنق الأمور علي الوجه الصحيح ولم يسرف في الآمال والتطلعات شأن آخرين بعد ذلك. الجبهة الثورية ليس لديها بعد الآن ما تعتمد عليه وقوداً لحراكها علي الجبهات التي تبدو أنها الآن قد أصبحت في قبضة الجيش السوداني. نقلا عن صحيفة المجهر السياسي 22/1/2014