لم يكن قصف قوات قطاع الشمال لمدينة كادوقلي بولاية جنوب كردفان أمس الأول بالأمر غير المتوقع، إذ تعددت بوادر القطاع العدائية وأصبحت شبه مألوفة للناس عشية انقطاع وتوقف أي منبر يجمع القطاع بالحكومة يأتي ذلك والقطاع قد ارتكب أكثر من ثلاثة إعتداءات شبيهة، في الوقت الذي وصلت فيه اللقاءات المباشرة بينه وبين الحكومة لطريق مسدود. وقد أدت هذه الخروقات إلى إحداث أضرار بالغة وسط مواطني الولاية وسكان مدينة كادوقلي على وجه التحديد؛ لأنها الجهة التي تستهدفها قوات القطاع بالقصف الصاروخي والنيران المختلفة، عشية عدم إحراز وتوقف المنابر التي تستهدف الوصول لنقاط تفاهم مع الحكومة. فيما يأتي قصف قطاع الشمال بصواريخ الكاتيوشا لمدينة كادوقلي هذه المرة بعد ساعات من توقف المفاوضات في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا ورغم أن حكومة ولاية جنوب كردفان أفادت أن الصواريخ سقطت هذه المرة خارج المدينة إلا أن الأمر يعتبر امتداداً لظاهرة الإعتداءات السابقة والتي قام فيها قطاع الشمال بارتكاب خروقات مماثلة بنفس المنطقة. واعتبر والي جنوب كردفان آدم الفكي القصف إشارة إلى عدم رغبة الحركة الشعبية في إحلال السلام بجنوب كردفان، ولكنه أكد أن القوات المسلحة ستمضي في عمليات ما أسماها بالصيف الحاسم حتى موعد الجولة القادمة، بعد أن بادر المتمردون بالعمل العسكري عقب رفع المفاوضات. وقال الفكي إن استهداف الحركة الشعبية للمدن والمواطنين بات أمراً معتاداً في كل أنشطتها العسكرية في الفترة الأخيرة. مؤكداً مقدرة القوات المسلحة على الرد بحسم مصادر النيران. واستهدف القصف مدينة كادوقلي بأربعة صواريخ كاتيوشا، مساء الأربعاء سقطت خارج المدينة وكان آخر قصف وجهه المتمردون نحو مدينة كادوقلي منتصف ديسمبر من العام الماضي. وبدأت أخيرًا جولة جديدة من التفاوض بين الحكومة والحركة الشعبية قطاع الشمال، بوساطة إفريقية بأديس أبابا، لكنها توقفت بسبب اختلافات وجهات النظر بين أطراف التفاوض. وحمل بعض المتابعين الأضرار التي لحقت بالمواطنين جراء القصف للحكومة، مشيرين بقولهم إلى أنه كان متوقعاً حيث إن كل مرة تفشل فيها المفاوضات تقوم هذه الحركات المتمردة بتنفيذ هذه العمليات، وقالوا على القوات المسلحة أن ترد عليهم حتى يعيدوا الجيش لهيبته المعهودة وقوته المعروف بها في العالم. وأدلى بعض المراقبين عن عدم رضائهم عن جلوس الحكومة لمتمردي قطاع الشمال الذين عقب كل تعثر لمفاوضتهم مع الحكومة يلجأون لتصويب سهامهم وأسلحتهم نحو المواطنين العزل وقالوا إن التمرد أضر بالبلاد كثيرًا. والمتابع للأحداث يستطيع أن يربط بين خطاب الحكومة الذي أكدت من خلاله أن الصيف سيكون ساخناً على المتمردين في وقت رحبت فيه بإدارة الحوار معهم لأجل السلام، وبين استفزازات قطاع الشمال والحركات المسلحة الأيام الماضية باستهدافه للمنطقة وضربها بالصواريخ وغيره من الأسلحة، الإستراتيجية التي أعلن عنها وقتها مولانا أحمد هارون الوالي السابق لجنوب كردفان بقوله: «إن الحكومة ماضية في سبيلها تحمل السلاح بيد وتسعى للسلام في الوقت ذاته». وأضاف «الداير السلام بنتحاور معه والداير الحرب بنحاربو والممطورة ما بتخاف من الرشة». فيما يرى مراقبون أن هذا الإجراء نتج من استفزازات قطاع الشمال المتكررة والتي وصفوها (بالمؤسفة)، ولكن يقول بعضهم: إنه ربما أراد قطاع الشمال بهذا المنحى إرسال رسالة للحكومة مفادها نحن هنا موجودون كما قال هارون ولكن الرسالة جاءت على أشلاء النساء والأطفال، في الوقت الذي دعا فيه والي جنوب كردفان آنذاك إلى ضرورة التفاوض مع القطاع دون شروط. وكان آخرون يرون أن في هذه الدعوة إضعاف لقوة الحكومة وتقوية لصفوف الحركة التي جعلت من المنطقة مقراً لها. وحول هذه المرامي والأهداف من إقدام قطاع الشمال ومن معه من قوات التمرد، على استخدام النار والبارود، في قصف منطقة كادوقلي يقول الإستراتيجي المعروف بروفيسور حسن مكي ل (الإنتباهة) إن قطاع الشمال لديه أجندته الخاصة والتي دائماً ما يعبر عنها بأسلوبه وأنه أراد من هذا الهجوم المباغت أن يقول بل ويؤكد للحكومة بأنه موجود وقادر على اختراق القوات المسلحة بيد أن الأستاذ حسن مكي وصف أي هجوم على مناطق المدنيين الآمنة بأنه غير مقبول على الإطلاق، وقال إن الرسالة واضحة وتلقتها الحكومة من القطاع الذي أراد أن يقول بأنه موجود. أضف لذلك أنه خطوة تجاه كسب المزيد من المساحات كعناصر لضغط الحكومة لتمرير أجندته. وربما الأجندة لاستمرار الحوار وتحقيق مكاسب عالية ترضي عناصر القطاع، كانت واضحة من خلال تلك العملية التي سيكون لها ما بعدها من آثار في مسار العملية السلمية بالولاية بعد أن تطلع إليها الكل بنظرات باحثة عن واقع أفضل. واستنكر اللواء عبد الرحمن الأرباب في حديث ل (الانتباهة) الضربات التي ظلت توجهها الحركات المتمردة على مناطق آمنة بولاية جنوب كردفان، وقال إن للحكومة إستراتيجيات تعمل وفقها ومن وجهة نظري أنه ومهما تطول الحرب فلا بد أن يجد الحوار طريقه للجانبين لأن الحرب لا تنتهي أبداً إلا بالجلوس للتفاوض والحوار، مشيراً بذلك للحرب العالمية التي انتهت بالحوار. وأضاف أنه وفي ظل هذه التوترات لا بد من التفاوض، لأن الحكومة ذاتها في رؤيتها أن «التفاوض للحلول» والحرب ليس غاية بالرغم من أنها وسيلة إلا أن الجلوس هو المكمل لحلقات حل المشكلات. لافتاً لضرورة أن يكون الحوار حافظاً للوطن حقوقه كاملة وللدولة هيبتها. مما دفع البعض للتساؤل حول الأمر بالقول هل ستحقق هذه الحركات لنفسها بضرب الآمنين والقصف الصاروخي من على البعد عشوائياً، ما لم تحققه بالحوار الذي دخلته الحكومة بغية التوصل لحل يكفل السلام والأمان للجميع وهل هذه وسيلة ناجعة لإقناع الحكومة وحملها على قبول أجندة الحركة باعتبار أنها قوة ضاربة لا سبيل دونها لتحقيق السلام؟. نقلا عن صحيفة الانتباهة 24/2/2014م