حذر مبعوث الرئيس الأمريكي للسودان دونالد بوث من مغبة خداع الخرطوملواشنطن بأية عملية سياسية لا تؤدي إلي إصلاح حقيقي، معتبراً وجود حروبات في السودان دليلاً علي غياب العدالة في البلاد، وكشف عن ضغوط تمارسها بالتنسيق مع عدة دول بينها قطر والصين. وعقد الكونقرس الأمريكي جلسة استماع مساء الأربعاء أول من أمس لمبعوث الرئيس الأمريكي إلى السودان دونالد بوث حول التطورات السياسية في السودان ومصير الحوار بين القوى السياسية المتصارعة والمتحاربة. ونقلت تقارير صحفية أن بوث قدم تصوره للحل في السودان بالتشديد على ضرورة الحل السياسي ورفض الحرب. وما يلفت النظر في الإفادات التي قدمها دونالد بوث أمام الكونغرس الأمريكي هو تلك الثقة المفرطة في إمكان تقديم حل سياسي شامل لمشكلات الحرب والسلطة في السودان دون التركيز في أنه يتحدث عن طرف واحد في هذا النزاع هو قطاع الشمال ومن خلفه الجبهة الثورية، فكيف يكون هنالك حل سياسي بدون الحكومة؟!. يمارس المبعوث الأمريكي سياسية "رد فعل" تجاه ما ظل يتلقاه وهو في الضفة الأخرى خارج السودان حول طبيعة النزاعات المسلحة في هذا البلد، وفي الوقت نفسه لا يستطيع أحد أن يقلل من قدرات "أطقم الخدمة الميدانية الأمريكية في مجال المعلومات" التي تؤهلهم لحد ما لاختبار ما يطرح من آراء سياسية وقرارات بالخرطوم. إلا أن هنالك اختلافاً في الكيفية التي يتم عبرها تكيف علاقات حركات التمرد بالإدارة الأمريكية، وخصوصاً أن الفترة الأخيرة شهدت نشاطاً مكثفاً لهذا المبعوث وسط قادة الجبهة الثورية وبطبيعة الحال تطابقت وجهات النظر بينهما في رفض أطروحات الحكومة في مفاوضات أديس أبابا بإصراره علي أن يكون الحل شاملاً في السودان. وهذا الموقف السياسي، التصعيدي نوعاً ما باتجاه الخروج بنتائج سياسية من فشل هذه المفاوضات، ليس مصادفة أو أنه كان أخر الاستخلاصات المتاحة في أديس أبابا، إنما هو تكتيك يتبعه عرمان منذ فترة طويلة، وعلاقة الضغوط التي ستمارسها واشنطن علي الخرطوم، علي حد تعبيره بتوقيت المفاوضات "قصديه مخططة". ما تعنيه الحكومة، وهذا معروف منذ فترة مبكرة، أن التفاوض حول المنطقتين مع قطاع الشمال، كمهمة محددة لا يمكن الالتفاف عليها لإقحام ملفات سياسية أخري يتم فرضها. نظرياً، ولا تضمن واشنطن أو أي من حلفائها مستقبل تنفيذ ما سيتم حولها من اتفاقات، فإذا كان السلام في المنطقتين هو الموضوع الرئيس فيجب أن يبقي كذلك. ومثلما يلتزم المبعوث الأمريكي بضمان الحفاظ علي تماسك الجبهة الثورية أمام الكونغرس الأمريكي، يكون علي الحكومة السودانية أن تتحدث عن ضمانات تماسك نسيجها الاجتماعي من خطر التمزق والتفتيت في حال اختطاف هذه الملفات الإنسانية وتحويلها إلي أدوات ضغط دولي واستمرار في نهج سياسة "لي الذراع" غير المجدية. ليس من مصلحة الإدارة الأمريكية أن يعمل مبعوثها للسودان كواحد من قادة الجبهة الثورية، ومسألة تطابق وجهات النظر حول الوضع السياسي والأمني في السودان وتقديم تصور خاص للحل السياسي الشامل مع عبد الواحد محمد نور وياسر عرمان لا تتناسب وطبيعة مهمته أصلاً، لأنه تحول بانحياز ظاهر للتعبير عن رأيه الشخصي. وطريقة بناء التقارير الدولية بنظام ردود الأفعال حول المواقف المتضاربة بطريقة دونالد بوث تكشف عن أن الفرقاء في مفاوضات أديس أبابا لا يعملون في جو صحي، وأن البيئة صالحة الآن لانتقال عدوي التمثيل الإدعائي للبطولات الفردية التي أكدت الوقائع علي الأرض تمددها في "الإنشاء والكلمات" ولا أحد هناك يثق فيما يقوله "هو" تماماً. وعلي ما يبدو أن فريق التفاوض التابع للحركة الشعبية يعيش حالة من حالات التفتق الذهني التي تصيب الشعراء عندما يحسون بدفء العلاقات الإنسانية فيمن حولهم، ولا غرابة في أن يرتفع سقف الطلبات التي ترفعها الحركة مقابل الورقة التوفيقية التي قدمتها الوساطة، لأن إسقاط النظام بتكثيف الضغوط قد تنزلت الوعود لتحقيقه. ولا يتساءل المراقب عن طبيعة هذه الضغوط التي تحدث عنها السيد بوث إلا بالقدر الذي يثير الفضول فيما يمكن أن تفعله قطر والصين فيما يتعلق بضرورة إقناع الحكومة السودانية بقبول الحد الأدنى من الاتفاقات السياسية لضمان استمرار قطاع الشمال لاعباً في مجريات السياسة في هذا البلد بتغيير أجندة التفاوض إلي أخري مختلفة. نقلا عن صحيفة الصحافة 2/3/2014م