منذ أعلن عن قدوم وزير الخارجية السوداني علي كرتي إلى القاهرة والتساؤل يدور حول ما إن كانت هذه الزيارة يمكنها تلطيف الأجواء وإزالة ما بدا من غيوم في سماء العلاقة بين البلدين الشقيقين، أم إنها لن تعدو مجرد زيارة بروتوكولية لن تثمر في مواجهة أسباب عميقة للخلاف. وعقب اللقاء الذي تم أمس الاثنين بين كرتي ونظيره المصري نبيل فهمي، جاء البيان الرسمي الصادر عن الاجتماع ليتحدث بحذر عن نوع من التقدم في العلاقات بين الجانبين، لكن صياغته أشارت إلى أن العلاقات لم تعد بعد إلى سابق عهدها. وأكد البيان -الذي تلقت الجزيرة نت نسخة منه- اتفاق القاهرةوالخرطوم على تفعيل آليات للتعاون المشترك، مشيرا إلى اتفاق الجانبين على الإسراع بعقد الاجتماعات الفنية لوضع الترتيبات اللازمة لفتح المعابر الحدودية بأسرع وقت، بما يحقق المصالح التجارية والتواصل الشعبي بين البلدين. كما أشار البيان -الذي صدر الاثنين عن الخارجية المصرية- إلى اتفاق القاهرةوالخرطوم على استئناف التشاور حول القضايا العالقة، والمضي قدما في بحث إقامة الآليات اللازمة لضبط وتأمين الحدود. قضية النيل وأكد الجانبان محورية قضية مياه النيل والتزامهما بالاتفاقيات الموقعة بينهما وفي مقدمتها اتفاقية 1959، كما اتفقا على ضرورة الاعتماد على الحوار البناء أساسا لتحقيق المنافع المشتركة مع جميع دول الحوض، مشددين على أهمية توصيات لجنة الخبراء الدولية بشأن الدراسات المطلوب استكمالها لتحديد الآثار المحتملة لسد النهضة الإثيوبي على دول المصب. وعلى صعيد آخر، أشار البيان إلى أن الوزير السوداني عبر عن دعم بلاده لتطلعات الشعب المصري في تحقيق الاستقرار والتنمية، ودعم بلاده الكامل للجهود التي تبذلها الحكومة المصرية على مسار تنفيذ خريطة الطريق. لكن الملحوظ أن تصريحات كرتي كانت عامة إلى حد كبير، حيث فضل في المؤتمر التركيز على الحديث عن أزلية العلاقة بين الجانبين، مؤكدا أن السودان جاء إلى مصر "منفتحا لنقاش القضايا التي هي قضايا تعاون لا قضايا خلاف". وكان الإعلام المصري قد أظهر حفاوة بالزيارة قبل بدايتها، واعتبرت صحيفة الأهرام الحكومية أن زيارة كرتي تبدد سحابة العلاقات المصرية السودانية، معترفة في الوقت نفسه بأنه ليس سرا ولا خافيا أن العلاقات بين البلدين مرت بحالة من الفتور منذ ما وصفتها ب"ثورة" 30 يونيو/حزيران الماضي التي أعقبها انقلاب عسكري أدى إلى عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي. ورأت الصحيفة أن هذا الفتور نتج عن اعتقاد القاهرة بأن الخرطوم ليست راضية عن التغييرات التي شهدتها مصر، كما أنها تدعم الموقف الإثيوبي في مشروع سد النهضة، مشيرة إلى أنه أدى إلى تعطيل العديد من أوجه التعاون بين البلدين، بينها انعقاد لجان مشتركة تعنى بالمنافذ وتطبيق الحريات الأربع التي سبق الاتفاق عليها، وهي التنقل والتملك والعمل والإقامة. تفاؤل حذر وبالتوازي مع الزيارة، أبرز الإعلام المصري تصريحات لحسن العربي نائب السفير السوداني بالقاهرة اعتبر فيها أن زيارة كرتي تأتي في سياق التواصل الذي لم ينقطع بين البلدين، وتستهدف بحث تطوير العلاقات الثنائية، فضلا عن مناقشة القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. من جانبه، أشاد الخبير في الشؤون العربية محمود العجمي بزيارة كرتي للقاهرة، لكنه أكد ضرورة عدم الإفراط في التفاؤل بشأن تحسن سريع للعلاقات بين البلدين، لأن "الخلافات قد تكون أعمق من الزيارة". ووصف العجمي -في حديث للجزيرة نت- علاقات البلدين في الفترة الماضية بأنها فاترة، موضحا أن أبرز تجليات هذا الفتور كان الموقف السوداني من قضية سد النهضة، حيث أكد أكثر من مسؤول سوداني الوقوف على الحياد، وهو موقف لم تعتده مصر حيث كان البلدان شريكين دائما خصوصا في قضية المياه. وأضاف أن السبب الثاني للتوتر يتعلق بما أشار إليه ب"عدم ارتياح مؤكد" من جانب الخرطوم للتطورات التي وقعت في مصر منذ 30 يونيو/حزيران الماضي، مشيرا إلى أن الموقف السوداني قد يكون ناتجا جزئيا عن ضغوط من قوى دولية أو إقليمية، فضلا عن عدم رغبة السودان في فتح جبهة عداء مع الجارة إثيوبيا. المصدر: الجزيرة نت 4/3/2014م