أعلن اللواء عباس عبد العزيز قائد قوات التدخل السريع دحر قواته لفلول حركة المتمرد أركو مناوي بمناطق جنوب السكة حديد بولاية جنوب دارفور وأن مقاتلي التدخل السريع الحقوا هزائم بالتمردين في مناطق السيل قسا وحجيرات ودونكي دريسة أو قولجا. وتشهد ولايات درافور هذه الأيام تصعيداً من قبل حركات مني أركو وعلي كاربينو في عدد من المناطق ذات الكثافة السكانية "الهشة" بحثاً عن التموين والوقود ولا توجد بحسب الإفادات التي قدمها المسؤولين الأمنيون في هذه الولايات إشارة إلي أنها أهداف عسكرية. والرد الفوري من قبل قوات التدخل السريع يدفع بجهود التأمين التي تقوم بها حكومات الولايات في إقليم دارفور بما يضمن عدم قدرة تحرك قوات المتمردين في نطاقات أوسع في هذه المناطق الأمنية "الرخوة" بتعزيز الاحتياط بين القوات النظامية العاملة هناك. امتلاك القوات المسلحة لقدرات الردع المباشر والفوري ينعكس علي هذه الولايات أمناً واستقراراً وإن كان نسبياً لصعوبات كبيرة تواجه عمليات التأمين بحسب تعدد المناطق ووجودها بعيدة عن مواقع التمركزات الأمنية ما يجعل من التحرك الميداني مهمة عسيرة. لكن من المهم وبالإشارة إلي إفادات اللواء عباس عبد العزيز التأكيد علي أن هذه الحركات المسلحة لا تتوقف عند حدود المواجهات المسلحة بينها وبين القوات النظامية إلا بالقدر الذي يجعل من أهدافها الميدانية المنتخبة مكشوفة ومراقبة من قبل السلطات. وطريقة الكر والفر بتحريك المجموعات المحمولة علي ظهور اللاندكروزرات بين القرى والمواقع السكنية للأهالي لأغراض الجباية والترهيب تؤزم الأوضاع الاجتماعية والإنسانية لهؤلاء القرويين البسطاء وفي الوقت نفسه لا تقدم أي مكاسب سياسية لهذه الحركات. تطاول أمد النزاعات المسلحة في إقليم دارفور، يرجع في واحد من أهم أسبابه إلي أن هذه الحركات المسلحة ستتضرر في حال حدوث أي تقارب بينها وبين الحكومة من خلال التواضع علي حد أدني من الاتفاق علي وقف لإطلاق النار في كل ولايات دارفور. واتفاق من هذا النوع يقود إلي الحديث حول "تفكيك المعسكرات" وهي كثيرة وتحتوي في داخلها علي آلاف الناس الذين هم يرغبون "أصلاً" في العودة إلي مناطقهم الأصلية التي جاءوا منها بفعل الضغوط التي مورست عليهم من قبل قوات هذه الحركات. وحينما تصبح الحرب في حد ذاتها "عملاً مربحاً" لا يمكن الفكاك من أسرها بالسهولة التي يتصورها بعض الدبلوماسيين في الغرب في سياق اتهامهم للحكومة بأنها ترفض التوصل إلي مثل هذا الاتفاق الإطاري، لأن بعض هذه الحركات ليست سياسية بالمعني الحرفي. تعددت أوجه حركات التمرد بإقليم دارفور، لكن تبقي حركة دارفور أركو مناوي هي أكثر هذه الحركات صيتاً بهذه العمليات الجزئية التي تقدم تفسيراً جيداً لمضمون اللاجدوي في صناعة الحرب الأهلية ذات الغايات والمقاصد المجهولة لتكون حرباً من أجل الحرب فقط. يعاني مواطنو ولايات دارفور من هجمات حركات التمرد المتكررة علي ممتلكاتهم، وهذا السلوك غير القانوني أو الأخلاقي لا يجد مبرراته الكافية فيما يصدر عن بعض قادة الجبهة الثورية في أن الحرب ضد المواطنين العزل لا تكون حرباً جديرة بالإحترم. اندفعت حركة أركو مناوي في مواقع كثيرة وفي مناسبات مختلفة لفرض نوع من أنواع السيطرة الفردية بالقوة عليها مثلما حدث في "ليدو ومهاجرية" في وقت متأخر من العام الماضي سعياً وراء تنفيذ تكتيك عسكري تقليدي متبع هناك في إيجاد "مناطق محررة". وهذا لا يمكن تحقيقه تحت ظل تردي الأوضاع الميدانية لهذه الحركات المسلحة التي لا تمتلك التجهيزات الكافية للدفاع عن المناطق التي يتم الهجوم عليها ونهبها كما حدث في "اللعيت وحسكنيته" قبل أيام لأن قواتهم معدة أصلاً بنظام حرب العصابات الخاطفة والسريعة. لتكون قوات التدخل السريع بما تشتمل عليه إمكاناتها من قدرة علي تنفيذ الخطط العسكرية طويلة المدى مع السرعة والدقة في التنفيذ قد قامت بنسف هذه المخططات القديمة لقادة هذه الحركات في احتلال المدن والمواقع العسكرية والبقاء فيها لأطول فترة زمنية ممكنة. وتتعارض العمليات الجزئية التي تقوم بها هذه الحركات المتمردة مع الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة ممثلة في السلطة الإقليمية في سياسات تطبيع الحياة المدنية في عدد من المدن والقرى وسط الأهالي في هذه الولايات بإعادة الوضع الأمني فيها إلي المربع الأول. والحاجة إلي مناشدة المجتمع الدولي للضغط علي هذه الحركات للجلوس علي طاولة المفاوضات مع الحكومة تتزايد كل يوم، بالرغم من أن هنالك معرفة مسبقة بأن هذا الضغط الدولي المطلوب لا يأتي إلا وهو منقلباً علي الحكومة نفسها وليست علي هذه الحركات المعنية. وما تقوم به قوات التدخل السريع في ولايات دارفور هو رد الحكومة الواقعي علي التفلتات الأمنية التي لا يمكن أن تستمر إلي ما لا نهاية، وهذه الإجراءات الأمنية المشددة التي أخذت في التزايد من قبل الحكومة في درافور تمثل بداية لمرحلة من مراحل التأمين الذاتي. بالرغم مما تنطوي عليه حالات التصعيد العسكري في هذا الإقليم من حساسية سياسية دولية، إلا أن حماية المواطنين وممتلكاتهم من عمليات النهب والابتزاز تعد أولوية قصوى حتي يظهر من هذه الحركات الملحة ما يشير إلي أنها ترغب في حلول سياسية. نقلا عن صحيفة الصحافة 6/3/2014م