بلغة الواثقين تتحدّث كلا من الخرطوموجوبا عن التقدّم الذي يشهده ملف الترتيبات الأمنية بين البلدين، وذلك بعد الاتفاق على تسريع تطبيق الترتيبات الأمنية، وتحديد الخط الصفري، والمنطقة منزوعة السلاح خلال الأسبوعين المقبلين، وهو التقدّم الذي استعصى قبلاً على مباحثات مطولة وزيارات ولقاءات مكررة. وفيما يبدو فإن منبع هذه الثقة والروح الإيجابية الجديدة بين الطرفين هي الأوضاع السياسية التي يرزح في ظلها كل بلد على حدا، وبالطبع، يغلب غليها عدم الاستقرار. وتمثل الحدود عاملا من عوامل التوتر الداخلي لكل من جوباوالخرطوم، إذ تبحث جوبا عن حدود آمنة مع الخرطوم، وتضع في بالها تمرّد رياك مشار، وهو الرجل الثاني من حيث الوزن السياسي، على الدولة وحمله السلاح في وجه غريمه الجديد سلفاكير، وتريد أن تكون أكثر اطمئنانا من عدم وجود دعم خرطومي لقوات مشار. وكذلك الخرطوم، التي لازالت تفاوض الحركة الشعبية قطاع الشمال، لم تقطع بعد شكها بأن الجنوب يدعم قوات الجبهة الثورية في مناطق جنوب كردفان والنيل الأزرق. يقول المقرر السياسي للجنة الأمنية السياسية المشتركة، المعز فاروق: "هدفت زيارة وزير الدفاع الأخيرة لدولة جنوب السودان إلى تفعيل آليات لجنة مراقبة الحدود، واللجنة الخاصة والأمنية المشتركة". رغبة جوبا في الاطمئنان على حدودها مع السودان تأتي على خلفية أحاديث أمريكية تقول إن السودان وأرتريا لهما دور في الصراع في الجنوب، حيث قال جون برندر غاست المؤسس المشارك لمشروع (كفاية): "إن المزاعم تتزايد بشأن تقديم كل من أرتريا والسوان دعما سريا لقوات المعارضة في جنوب السوان بالرغم من عدم ظهور أدلة دامغة على ذلك"، لكن أرتريا نفت أن يكون هناك دعما، وكذلك رياك، فيما أرسلت الخرطوم مزيدا من الاطمئنان إلى جوبا إذ قال وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين: "إننا ندعم الحكومة الشرعية في جوبا"، وهو ما قابله وزير الدفاع الجنوبي الفريق كوال ميانق بقوله "إن جوبا ستردّ الجميل إلى الخرطوم". تأكيدات جوباوالخرطوم على حسم قضية الحدود لا ينفصل عن رغبتهما في السيطرة الأمنية عليها، بحيث تأمن حكومة السودان من عدم دخول عناصر الجبهة الثورية عبر الأراضي الجنوبية، وكذلك، تأمن حكومة سلفاكير من دعم خرطومي لوجستي لقوات رياك مشار التي تقاتل حكومة جوبا، باعتبار أن وجود سلفاكير وسيطرته على الحدود يجعلها تحافظ على تدفق النفط، يضاف إلى ذلك النزعة الإقليمية والدولية في الاستقرار بين السودان وجنوبه للمساهمة في دفع مفاوضات السلام الجارية في أديس أبابا بين القوات المتقاتلة في جنوب السودان، وهو ما يبرز في تصريح رئيس الوزراء الأثيوبي بأن على طرفي الصراع في جنوب السودان إيقاف الحرب، وأن يبحثا عن حل سياسي للمشكلة الراهنة في بلدهما. ويقول المحلل السياسي جون يونغ لوكالة إيرين إن سلفاكير عزز علاقاته مع الخرطوم منذ العام الماضي، عن طريق استبدال عدد من وزراء حكومته، الذين انضم بعضهم إلى المعارضة الآن، بشخصيات لها صلات قوية مع الخرطوم. في الأثناء فإنّ المساعي الدولية والإقليمية من أجل حسم الصراع الداخلي في جنوب السودان خلال المفاوضات تخشى أيضا ازدياد رقعته الإقليمية، سيما أن هناك أطرافا إقليمية خائضة في أوحاله، بفعل تقاطع مصالحها؛ فالوجود الأوغندي في جنوب السودان يقلق الخرطوم، ويجعلها تتحسب لأي تطور في هذا الملف، باعتبار أن كمبالا ظلت على عداوة مع الحكومة لسنوات طويلة ماضية، ما يجعل اصطفاف الخرطوم حاليا مع سلفاكير وسعيها إلى تأمين حدودها، قابل للتغير في أي وقت، سيما إذا تمكن مشار من تحقيق مكاسب، وهدد حقول النفط.. ربما لهذا، تراقب الخرطوم ما يحدث في أديس أبابا، وما يمكن أن تسفر عنه، وتمضي في ترتيباتها الأمنية مع حكومة سلفاكير، علها تؤمن حدودها من تحركات الجبهة الثورية، حاليا ومستقبلا، في حال تفاقم الوضع في الجنوب، واشتداد الصراع وتحوله إلى عراك إقليمي، وهو أمر غير مستبعد، في ظل تداخل مصالح سياسية واقتصادية لعدة دول - أوغندا، كينيا، أثيوبيا، وإريتريا- يتفق بعضها مع السودان ويختلف الآخر، مما يستدعي أن تتعامل جميع الأطراف بمسؤولية، وتعي أنّ النجاح يتحقق حين يتحدث المرء بثقة. نقلا عن صحيفة اليوم التالي 25/3/2014م