تحوّل الأزمة السياسية في إفريقيا الوسطى إلى تطهير عرقي متكامل، ضد المسلمين، سواء بالإبادة الجماعية الممنهجة أو بعمليات الترحيل والإجلاء القسري إلى الدول المجاورة، بعد نهب وحرق ممتلكاتهم، وتحويل مساجدهم إلى ملاهٍ ليليةٍ، وسط سمع وبصر المجتمع الدولي، ينذر بكارثة كبرى بحق مسلمي هذا البلد، الذين يتعرضون لأبشع محرقة في التاريخ، ويهدد بالانتقال إلى دول الجوار الإفريقي . المجازر الوحشية وعمليات الاغتصاب، التي تقوم بها ميليشيا قروية تطلق على نفسها "انتي بالاكا" ضد المدنيين المسلمين، في موجة لا هوادة فيها من العنف الممنهج التي تجبر قرى بأكملها على مغادرة البلاد، لم تجد حتى الآن ما يردعها عن القيام بمثل هذه الأعمال التي تهدد بتقسيم البلاد ونشر الفوضى وتصعيد وتعميم العنف إلى مستويات قياسية . بؤرة الصراع العرقي والديني الجديدة في القارة السمراء المثقلة بالآلام، تمر حالياً بوضع خطير جداً وحالة انهيار مما قد ينذر بتفكك الدولة، مع تصاعد الانتهاكات والمجازر والفوضى التي تمس الوضع الإنساني ووقوع جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية وإبادة جماعية في هذا البلد، الذي يعيش حالة من الفوضى منذ الإطاحة بالرئيس فرانسوا بوزيزي ووصول قائد حركة "سيليكا" المسلحة المسلمة ميشال جوتوديا إلى الحكم، الأمر الذي أثار توترات دفعت الأغلبية إلى تشكيل ميليشيات تهاجم الأقلية وترتكب بحقهم عمليات قتل ونهب وتهجير من قراهم . التخوف المتوقع من أن يتحول الوضع المأساوي الذي يرزح تحت وطأته مسلمو إفريقيا الوسطى، إلى مركز احتضان وانطلاق لحركات مسلحة متطرفة تحمل فكر تنظيم "القاعدة" وتستغل حجة الدفاع عن المسلمين لإرساء مفهوم "الجهاد" هناك، في ظل عجز قوات التدخل الفرنسية إلى درجة الشك بمسؤوليتها عن الجرائم وأعمال القتل التي ترتكب بحق المسلمين، لأنها قامت بتجريد المسلمين من كل الأسلحة وفرضت على مسلحي حركة "سيليكا" مغادرة العاصمة بانغي، ومن دون توفر أدنى متطلبات الحماية والأمن للمدنيين المسلمين، بلجم مسلحي "انتي- بالاكا" ووقفهم بل والتغاضي عن أسلحتهم وجرائمهم . مسلمو إفريقيا الوسطى، الذين يتعرضون لحملات تصفية تستهدف وجودهم، مواطنون يشاركون غيرهم في الحقوق والواجبات وفي تنمية البلاد وإعمارها، الأمر الذي يفرض على الرئيسة الجديدة للبلاد كاثرين سامبا بانزا تحديات كبيرة لإخراج بلدها من أتون هذه الأزمة الطاحنة واستعادة الأمن والاستقرار إليه، وفي مقدمتها إعادة بناء الجيش الذي انفرط عقده مقسماً بين مسلمين ومسيحيين، وإنقاذ البلاد من كارثة إنسانية محدقة ووصولها درجة حقد مروعة بين المجموعات . على المجتمع الدولي أن يكون يقظاً أمام التحديات الجدية في إفريقيا الوسطى والتدخل العسكري الفوري والقيام بالواجبات والمسؤوليات المنوطة به لحماية المدنيين الأبرياء والضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه العبث بوحدة البلاد، وتجنب ارتكاب المزيد من الفظائع، والمساعدة على بسط سلطة الدولة على كل شبر من أراضيها، حتى لا يقع المحظور ويجد نفسه أمام مذابح جديدة تشبه إلى حد بعيد مذابح الأرمن في تركيا والهوتو والتوتسي في رواندا والبوسنة والهرسك في منطقة البلقان والروهنغيا في ميانمار . المصدر: الخليج 13/4/2014م