أعلن السودان رفع تقرير المتابعة الأول الخاص بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إلى مجموعة العمل المالي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ضمن جهود الخرطوم لتصحيح أوجه القصور في تقييم السودان في المجال. وأعلن مدير وحدة التحريات المالية مقرر اللجنة الإدارية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب حيدر عباس، عن رفع التقرير بجانب رفع تقرير آخر إلى المجموعة الإقليمية للمراجعة المستهدفة إلى مجموعة العمل المالي. وتعتبر هذه الخطوة المهمة من قبل الحكومة السودانية إقرارا صريحاً بعدم وجود أرضية مشتركة بين من يقومون بهذه الجرائم ((عابرة القومية)) ومراكز صناعة القرار في الدولة في الوقت الذي استمرأت جهات عديدة دمغها به. فضلاً عن الآثار الاقتصادية السيئة لجريمة غسيل الأموال، يكون من غير المبرر الخوض في تفاصيل ((استلام أموال قذرة)) في بلد تعمل آلياته الاقتصادية تحت ظل حصار دولي ضاغط لما يزيد عن السبعة عشر عاماً. وتمويل الإرهاب، بتعريفاته الملتبسة أو المسيسة على الطريقة الأمريكية التي أصبحت هي السائدة الآن، هو الآخر يعد من الجرائم المستهجنة في السودان، لأن ذلك يقود إلى اقتراف جرائم أكثر فداحة في ((بلدان)) أخرى. ليكون هذا التقرير الذي تم رفعه إلي مجموعة العمل المالي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا محاولة جادة من قبل الحكومة للفكاك من ((صيت تمويل الإرهاب)) بطريقة مستقيمة تعتمد على البيانات والجدول المالية المهنية. ولطالما تعوقت مشروعات تنموية وبرامج اقتصادية عديدة في هذا البلد جراء وجود هذه الاتهامات ملتصقة بمعاملاتنا المالية وسط أجواء من الإرباك لا يمكن في داخلها تمييز ((قذارة هذا المال أو طهارة الآخر)) إقليميا ودولياً. كما يرتب هذا الإعلان المالي الرسمي، مهما إضافية على المؤسسات المالية الكبرى في البلاد وكذلك الدوائر الأمنية بالتدقيق في مصادر الأموال الأجنبية التي تدخل إلى الحسابات البنكية تحت أي مسمي أو عنوان بصلاحيات محددة. وقبل كل ذلك، لابد من إزالة اللبس الذي طال كثيراً من المعاملات المالية في هذا البلد حيال ما تقوم به بعض الجهات والمنظمات الطوعية العربية أو الإسلامية والتي تعمل وفقاً لمبادئ وأعراف هي في كل الأحوال ليست ((مالية)) حرفياً. مثل أن تقوم جهات خيرية بضخ عملات صعبة للمساهمة في (طباعة المصحف الشريف))، أو تلك الأموال الوقفية التي تذهب لمصارف معينة يتم النظر إليها بمعيارية دينية وأخلاقية بحتة وفي الوقت نفسه تدخل أموال لا يمكن تحديد وجهتها بالضبط. وتكون الدقة المحاسبية المطلوبة من قبل المؤسسات المالية في السودان صمام أمان لعدم ضمان انهيار ((حاجز الثقة)) التي يجري بناؤه دولياً وإقليمياً بشق الأنفس لتأكيد هذا الاتجاه المبدئي الرافض لفسل الأموال في حساباتنا الوطنية. وتتعدد زوايا البحث في مسألة تمويل الإرهاب، باعتبارها النغمة الأكثر نشازاً هذه الأيام في المحيط الإقليمي ككل، يأتي كل ذلك، بالرغم من معرفة الكثير من مسؤولي الدول الماليين لحجم الطاقة الاستيعابية بالنسبة للبنوك السودانية. بانفصال السياسة ومشكلاتها الأيدلوجية أو إفرازاتها أو إفرازات المواقف الحادة في هذه الواقعة الإقليمية أو تلك، يأخذ الاقتصاد السوداني شكله المتوازن بالوقوف على ساقين قويين في السوق الإقليمية والدولية بما يرشحه لولوج أسواق غربية ((مغلقة الآن)). لأن تمويل الإرهاب، كموجه سياسي لا تتوفر عناصر وجوده في الحالة السودانية إلا من هذه الإيحاءات التي توفرها ((قرائن التحليل)) وتقارير الاستخبارات الدولية التي تشير إلى دخول هذا الشخص أو الآخر إلى البلاد في الفترة المحددة تاريخياً. باعتبار أن الشفافية التي تعاطت بها المؤسسات المالية السودانية مع هذا الملفات الشائكة عبر لجنة رئاسية على أعلي مستويات الدولة، ينتظر أن تقابلها جدية أكبر من قبل هذه المجموعة المالية الإقليمية لتعزز الثقة وتحقق النتائج المرجوة. وكذلك تكون المعالجات الجذرية لمعوقات العمل المالي في السودان وهي أكثر إيلاما وصعوبة في بداياتها، أفضل كثيراً من ((التسكين الموضعي)) الذي لا يلبث وأن يعود منفجراً بنتائج كارثية مستصحباً معه أزمات مالية أكثر تعقيداً وتكلفة. وفيما يتصل بالمواقف السياسية التي تجر خلفها ((تهمة تمويل الإرهاب)) فإنها ليست أكثر من تصورات وتهيؤات يمكن دحضها عملياً بملامسة مكامن الضغط لدي الأطراف التي تتحسس من بعض علاقات السودان الإقليمية ((بالمكاشفة)) الصريحة. وتحدث هذه الإجراءات الرسمية بالتوازن والتماسك والاستقلالية المطلوبة تجاه التوجهات الاقتصادية السياسية للبلاد دون الركون لأي وصايات يتم تغليفها بشروط أخرى أكثر أمعاناً في جر رجل الحكومة نحو تعاملات حصرية ذات طابع سياسي آخر. وفي مرحلة الإصلاح السياسي والاقتصادي الراهنة في السودان، تأتي القرارات السياسية أكثر جرأة وثورية ما يستدعي ((شرحها وتفسيرها)) وإشراك الإعلام المحلي بالتنوير أو الإبلاغ المباشر حتى يتم استيعابها والعمل على إنجاحها. وحتى تظهر نتائج هذا التقرير المالي الأول من طرف مجموعة العمل المالي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نأمل أن تسعي مؤسساتنا المالية بالجرأة نفسها لتصحيح المزيد من المفاهيم المغلوطة عن المعاملات المالية في هذا البلد بالكفاءة والحنكة المطلوبة. نقلاً عن صحيفة الصحافة 2014/4/14م