أتبع الرئيس السوداني عمر حسن البشير دعوته للحوار الوطني بمجموعة من الإجراءات تنظم عملية الحوار من وجهة نظره. وتتضمن هذه الإجراءات كفالة حرية التنظيمات والأحزاب السياسية وفقا لما سماه أحكام الدستور والقانون دون أن يحدد أي دستور يعني وهو الذي كان منذ وقت قريب يدعو هذه الأحزاب للإسهام في وضع دستور جديد للبلاد. وقد دعا الرئيس السوداني في إجراءاته إلى معاملة الأحزاب السياسية على قدم المساواة، بما يضمن تكافؤ الفرص دون أن يحدد أي فرص يعني. وحذر الرئيس من إحداث التوترات الدينية أو الطائفية أو القبلية كما حذر الأحزاب أيضا من عقد اجتماعات خاصة في دورها دون موافقة الحكومة، وقال في الوقت ذاته يجوز للأحزاب السياسية أن تعقد اجتماعاتها في الميادين العامة وتتحمل مسؤولية كافة الأضرار التي تحدث، ومنع الرئيس وضع الملصقات في الأماكن العامة والشركات وسائر الممتلكات الخاصة. وقال يحق للأحزاب في ضوء هذه السياسة الجديدة أن تستخدم وسائل الإعلام المختلفة بشرط ألا يتضمن خطابها الإعلامي أي تحريض كما يجب ألا تتبنى مؤسسات الإعلام العامة أي موقف سياسي خاص بها. ويجوز للأحزاب السياسية في ضوء هذه السياسة الجديدة أن تنظم المواكب بشرط ألا تتعرض للممتلكات العامة كما تتحمل المسؤولية عن أي ضرر يحدث وتأتي هذه السياسة في وقت تتداول فيه الأحزاب فكرة المشاركة في حوار وطني مع الحكومة دون أن تتبين طبيعة ذلك الحوار الذي لا تدري الأطراف السودانية هل المقصود منه تفكيك النظام القائم أم مجرد استيعاب لها في داخل سلطته. وعلى الرغم من كل ما ورد في قرارات الرئيس عمر البشير السابقة فإن الكثيرين ما زالوا يعتقدون أن الواقع العملي بعيد كل البعد عن كل ذلك، وهذا ما ظهر في مقالة الصحافي الكبير ‘محجوب محمد صالح' الذي طالب بضرورة أن يتحرر الإعلام السوداني بعد سلسلة مصادرات الصحف والحجر على الصحافيين وعدم تمكينهم من التعبير عن أنفسهم بحرية كاملة. وقال الأستاذ في ورقته التي قدمها في الحوار المفتوح الذي رعته وزارة الإعلام إن إصدار القوانين الداعية إلى الحريات شيء والالتزام بها شيء آخر، وفي الوقت الذي طالب فيه الأستاذ ‘محجوب' بضرورة أن يلتزم الصحافيون بميثاق الشرف الصحافي فقد دعا إلى عدم ممارسة الإعلام المسيس كما دعا لأن تكون الحرية في التعبير وممارسة الكتابة والعمل الصحافي هي الأسس التي يستند عليها العمل الإعلامي في السودان. ومن جانبه وصف الأستاذ ‘كمال الجزولي' القيادي في الحزب الشيوعي قرارات الرئيس بأنها ‘حبال بلا أبقار' ، وأيد دعوة الدكتور غازي صلاح الدين بضرورة إبعاد يد جهاز الأمن من السيطرة على الإعلام حتى يكتسب الإعلام حريته الكاملة. ومن جانب آخر كان وضع المعارضة الممثلة في قوى الإجماع الوطني أكثر وضوحا، إذ قال الدكتور ‘فاروق أبوعيسى' إن هذه القوى لن تشارك في مثل هذه الحوارات في وقت يشتعل فيه القتال في دارفور وجنوب كردفان، والنيل الأزرق.وقال ‘أبوعيسى' إن التحالف لا يريد حوارا على طريقة المؤتمر الوطني الذي يستمر في قصف المواطنين في مختلف أنحاء البلاد بطائرات الأنتنوف، وقال إن كل ما يهدف إليه المؤتمر الوطني هو الوصول إلى مرحلة الانتخابات من أجل تزويرها، ولكن المؤتمر الوطني من وجهة نظره فاقد للشرعية خاصة بعد أن شارك الحركة الشعبية وساعدها على انفصال جنوب السودان. ومن جانبها عقدت قيادة الجبهة الثورية اجتماعات متواصلة من أجل تحديد موقفها من الحوار الذي دعا إليه الرئيس عمر البشير، وتوصلت الجبهة في نهاية الأمر إلى عدم رغبتها في المشاركة في هذا الحوار. وذلك لأن النظام من وجهة نظرها يقوم بعمليات عسكرية ممنهجة في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق. وقالت الجبهة إنها لا ترفض مبدأ الحوار ولكنها تقبل فقط الحوار الذي يقوم على أسس واضحة، وهذه الأسس لا بد أن تبين الطريق في كيفية الانتقال من النظام الشمولي إلى النظام الديمقراطي. وتدعو الحركة الثورية كافة أطراف الشعب السوداني من أجل مواصلة النضال ضد نظام الحكم القائم. ومن جانبه قال الصادق المهدي زعيم حزب الأمة إن دعوة النظام إلى الحوار حتمتها ظروف عملية أهمها انفصال جنوب السودان وانقطاع عائدات النفط، وذلك ما أدى إلى تدهور اقتصادي قاد إلى كثير من القلاقل الاجتماعية، وفسر الصادق المهدي قبول الدكتور حسن الترابي مبدأ الحوار بأنه ينسجم مع ‘البراغماتية' التي عرف بها الترابي، وعندما سئل لماذا قبل هو مبدأ الحوار قال إن ذلك طبيعي، وكان عليه أن يقبل مبدأ الحوار، ولكن إذا تبين أن الحوار لا يهدف إلى شيء فسيكون هناك موقف آخر. وإذا نظرنا إلى كل ما يجري في السودان تبلور سؤال مهم وهو هل كل ما يحتاج إليه النظام في الوقت الحاضر هو الحوار؟ وإذا كان ذلك صحيحا فلا بد أن نسأل الحوار من أجل ماذا؟ لا شك أن الرئيس السوداني بين في قراراته الأخيرة أن حكومته توافق على تكوين الأحزاب وممارسة نشاطها بحرية، ولكن الجميع يعلمون أن حرية الأحزاب لا تكون إلا في إطار نظام ديمقراطي، فهل تعني هذه القرارات أن النظام قرر حل نفسه من أجل أن يتيح للأحزاب الأخرى أن تمارس نشاطها في البلاد؟ بكل تأكيد لم يحدث شيء من ذلك، ولن يحدث، وبالتالي فإن الدعوة إلى حرية الأحزاب في ممارسة نشاطها تبدو دعوة فاقدة لأي معنى، لأنه لا يوجد نظام ديمقراطي تعمل الأحزاب في داخله، وهنا لا نعني بالنظام الديمقراطي فقط غياب النظام الشمولي وقيام نظام حزبي في مكانه، لأن الأخبار الأخيرة أطلعتنا على أن في السودان نحو ثمانين حزبا، فكيف يكون في السودان مثل هذا العدد الكبير من الأحزاب، بينما الأحزاب الناشطة في بريطانيا ثلاثة، وفي الولاياتالمتحدة اثنان؟ يبدو إذن أن ما تسمى. أحزابا في السودان ما هي سوى تجمعات طائفية وعرقية لن تكون قادرة على إنشاء النظام الديمقراطي الذي تطمح إليه البلاد.ولا يعني ذلك بالتأكيد أن تستمر الأوضاع على ما هي عليه الآن، بل يعني ضرورة البدء في التفكير في الانتقال من المرحلة القديمة إلى المرحلة الجديدة، ولا نريد أن نسمي المرحلة القديمة بأنها مرحلة طائفية، ذلك أن الولاء لزعامات دينية لا يعني الولاء لطائفة خاصة إذا لم تكن هناك خلافات مذهبية في البلاد، وذلك هو وضع السودان، لأن الولاء لطائفتي ‘الختمية' و'الأنصار' هو في حقيقة الأمر ولاء له أسباب تاريخية معروفة ولا يقوم على أسباب مذهبية. ومجمل قولنا إن الحوار في السودان لمجرد إيجاد مخرج للقلاقل والاختلافات قد لا يكون هو الوسيلة الوحيدة التي تحقق الأهداف لأن الأمر يحتاج إلى إعادة نظر في الواقع السوداني بأسره من أجل إنشاء نظام الدولة المتقدم على نظام السلطة. المصدر: القدس العربي 17/4/2014م