لم تمور الأرض تحت أقدام القوى السياسية ومتابعي المشهد السياسي السوداني وحدهم حين أعلنت الحركة الشعبية لتحرير السودان سحب مرشحها لرئاسة الجمهورية ياسر عرمان ومقاطعتها الانتخابات في دارفور، لتقلب بالقرار كل التوقعات والخطوات الجارية على مسار العمل في الانتخابات، لكن الزلزال ضرب على ما يبدو بقوة داخل صفوف الحركة الشعبية نفسها وباشرت آثاره تتوالي في الظهور ففي يوم الخميس الماضي وجه مرشحو قطاع الشمال لمناصب الولاة والمجالس التشريعية والمجلس الوطني مذكرة لرئيس الحركة الشعبية الفريق سلفاكير يعلنون فيها نيتهم مقاطعة باقي المستويات الانتخابية، رد عليها الرجل أمس في اجتماع القطاع الذي غاب عنه رئيسه ياسر عرمان، ونقل نائب رئيس الحركة الشعبية الدكتور رياك مشار للاجتماع قرار رئيس الحركة بشان المذكرة، موجها منسوبيه بمواصلة السير في العملية الانتخابية، بينما أحتشد العشرات من أنصار التنظيم خارج مقره وفي فنائه مرددين هتافات متناقضة يطالب بعضها بمقاطعة العملية الانتخابية في وقت يدعو فيه آخرون للمشاركة فيها! المواقف المتوالية والمتباينة في صفوف الحركة الشعبية بكل مستوياتها من المكتب السياسي وحتى القواعد الشعبية توحي بجلاء أن الامور ليست على ما يرام في التوقيت الحرج الذي تمر به البلاد والأوضاع فيها وفي التنظيم نفسه بعد القرار المفاجئ ومؤشرات صدوره من معسكر معين داخل التنظيم وفشل المعسكر الآخر حتى أمس في رد الصفعة واستعادة توازنه, ما يفتح الباب أمام احتمال وصول الطرفين اللا عودة. في الحركة الشعبية حالة من الرفض المستمر لأي حديث عن احتمال الانشقاق في كل أزماتها السابقة حتى وان اعترفت بها, ويقول المتحدث الرسمي باسم الحركة ين ماثيو ل(الأحداث) أن ما حدث لا يعدو كونه طور من أطوار المشاورات المستمرة داخل الحركة الشعبية وأن جماهيرها تطالب بالبت في شأن المستويات الانتخابية الأخرى بعد التقارير التي رفعت لرئيسها عن حالات التزوير في الانتخابات المنتظرة لكن ماثيو ينفي عمله برد نائب رئيس الحركة نقلاً عن سلفاكير بالمواصلة في العملية الانتخابية لافتاً إلي أن قرارات المكتب السياسي ملزمة لأعضائها وبرغم نفي متحدث الحركة الرسمي أن يعني تباين وجهات النظر الاتجاه للمفاصلة الا أن الصحفي المتابع اللصيق لتاريخ الحركة الشعبية فيصل محمد صالح يؤكد أن التنظيم منقسم عمليا منذ مصرع زعيمه جون قرنق ويعمل في الواقع بفصيلين هما التيار الوحدوي والآخر الانفصالي الذي يعارض المضي في الانتخابات, مضيفا أن تيار الوحدة الذي يقوده ما يعرف ب(أبناء قرنق) لا يكاد يجد القوة الكافية لفرض موافقته, وبالتالي لا يجد مبررا لشق الحركة وتشتيت جهدها لكن فيصل يري في حديثه ل(الأحداث) أن الوضع بلغ مرحلة تحتم علي تيار الوحدة تغليب العمل لأجل وحدة البلاد علي وحدة الحركة أن كان تيارها الانفصالي يمضي باتجاه مسعاه. لكن الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور الطيب زين العابدين يري أن أوان المفاصلة البائنة لم يحن بعد, وان أي هكذا خطوة ستكون مؤجلة علي الأقل إلي ما بعد الانتخابات بحسبان أن العملية الانتخابية نفسها ستفرز واقعاً جديداً داخل الحركة الشعبية نفسها سيما وأن رئيس الحركة الشعبية الفريق سلفاكير سيفوز بالتأكيد مجدداً برئاسة الجنوب، كما أن التيار المصير على خوض الانتخابات نفسه تلقي الصدمة وتعامل معها بدليل أن ياسر عرمان بات يبرر للقرار المفاجئ وتواري في نفس الوقت مسانده الأقوى الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم عن الأنظار من لحظة سحب مرشح الرئاسة، ويوضح الدكتور الطيب زين العابدين ل (الأحداث) أن تشكيلة حكومة الجنوب المقبلة ستؤثر على وضع التيارين على الأقل، فضلاً عن أن تكون برلمان الإقليم من شأنها إعادة ترتيب أوراقهما بحسبان أن غلبة أي من الفريقين فيه ستكون حاسمة في قراراتها المفصلية، لافتاً الى التأثيرات الإقليمية والقبلية في الجنوب سيكون لها دور واضح في خطوات كل طرف . نقلاً عن صحيفة الأحداث 5/4/210م