كثرت الاحاديث هنا و هناك عن صفقات سياسية بين هذا الحزب أو ذاك ، أو تلك القوى و ذلك الحزب قبل ايام قلائل من انطلاقة الاستحقاق الانتخابي الكبير فى السودان . و قد تلاحظ ان العديد من القوى السياسية بما فى ذلك الحركة الشعبية ظلوا ينفون باستمرار وجود صفقات ،و اجتهدت بعض هذه القوى فى هذا النفي حتى صورت هذه الصفقات و كأنها( شئ سيئ) أو رجس من عمل الشيطان ! و ربما كانت الكلمة نفسها لا تخلو من غرابة كونها ليست مألوفة ككلمة فى القاموس السياسي السوداني، حيث تسود كلمات مثل : تفاهمات ، تحالفات أو عمليات تنسيق ،ولكن جوهر المسألة واحد ،و النتيجة ايضاً واحدة ، ذلك ان الكلمة (صفقة) والذى يعادلها فى القاموس الغربي عبارة ( Deal ) هى عملية تبادل مصالح ، او مقايضة ، او تفاهم على أمر من الأمور يحقق لطرفيه مصلحة مشتركة. والصفقات بهذا المفهوم – الذى لا نري مفهوماً مغايراً له – ليست أمراً سيئاً ولا هي جريمة أو شبهة يتحتم التبروء منها، فقد فرضت معطيات الساحة السياسية السودانية ان يتم تنسيق هنا وهناك، سحب هنا ودعم هناك ، تفاهم هنا و تنافس هناك ، لأن الساحة السياسية منذ ميلاد الممارسة الديمقراطية فى هذا البلد قامت على هذا الاساس ، حيث يصعب على حزب واحد منفرداً ان يحكم البلاد بأكملها من أقصاها الى اقصاها ،وحتى حكومة الانقاذ الوطني قبل نيفاشا 2005 كانت تضم بداخلها قوي وشخصيات حزبية و من احزاب اخري ،و ذات الشئ رأيناه فى العهد المايوي . وقد كانت الصفة البارزة للحكم فى العهود النيابية التى مرت على السودان فى الستينات و الثمانينات هى الائتلاف أى اجتماع أكثر من حزب أو أكثر من حزبين لتشكيل حكومة. و ربما نسي ساسة اليوم - لسبب أو آخر- كيف كانت تجري عمليات التنسيق بين القوى السياسية قبل واثناء الانتخابات و هى ذات عمليات التنسيق التى توصف اليوم – بالمفردات السياسية المستحدثة- بأنها صفقات ( Deals ) و لهذا فإننا فى الواقع لا ندري ما هو وجه العيب فى ذلك ؟ هل تخجل بعض القوى السياسية من الاعتراف بذلك خوفاً من أن يقال عنها أنها ضعيفة بحيث تلجأ الى عقد هذه الصفقة او تلك؟ أن كان الأمر كذلك فان قوى جوبا نفسها التقت على تحالف يمكن وصفه فى اطار هذه الصفقات ،و لكنه تعثر و تزعزع لأن مكوناته لم تكن صادقة و لا جادة . والآن و حين أدركت هذه القوى ان المؤتمر الوطني هو الاصلح لعقد الصفقات فانها لم تتواني فى ذلك، ولكنها لا تريد ان يقال أنها عقدت صفقة ، فالحركة الشعبية على سبيل المثال تعلم مكامن ضعفها و قوتها ،وحزب الامة بزعامة الصادق يعرف ايضاً انه ضعيف ،و ذات الامر ينطبق على الاتحادي الديمقراطي و الشيوعي ، فاذا كان الأمر بهذا الواقع ، فما الذى يعيب هذه القوى اذا هى اقامت صفقات و تفاهمات بغرض تطبيب نفسها سياسياً ،بدلاً من التعلق بأوهام التزوير وحجج عدم النزاهة و تمنيات التأجيل ؟