بعد عشرات السنين من انحياز منظمة الوحدة الأفريقية ومن بعدها الاتحاد الافريقى للحكومات على حساب الشعوب بدأت أجهزة الاتحاد تهتم بحقوق الإنسان الإفريقى، وهو تطور محمود بشرط ألا يتخذ الاتجاه الخطأ بالتفسير غير الصحيح للأحداث أوبالتركيز على الأقل أهمية منها وتجاهل الأكثر إلحاحا. فإعراب المفوضية الإفريقية لحقوق الإنسان عن قلقها لصدور أحكام بالاعدام ضد عدد كبير من المتهمين فى أحداث المنيا وإعلانها عن قبولها دعوى من حزب الحرية والعدالة للتدخل لوقف تنفيذها والتحقيق فى ملابسات المحاكمة هو أمر مرحب به لو تم وفقا للأعراف الدبلوماسية المتبعة ليس بالتدخل فى أحكام القضاء وإنما بمراقبة إجراءات المحاكمات والسعى لدى رئيس الجمهورية لاستخدام صلاحياته لتخفيفها بعد أن تصبح نهائية. لكن أن يتم التشكيك فى سلامة إجراءات المحاكمات أو نزاهتها أو محاولة إضفاء صبغة سياسية عليها فيعد مساسا سافرا بسيادة دولة عضو بينما كان الأولى أن تهتم المفوضية بمصير آلاف المعتقلين السياسيين الذين زج بهم كثير من الحكام الأفارقة فى غيابات السجون.فأعضاء وأنصار جماعة الإخوان المحظورة يحاكمون على الأقل علنا أمام قاضيهم الطبيعى وتحت سمع وبصر الرأى العام المحلى والعالمى بينما المعارضون فى بلدان إفريقية عديدة معتقلون فى ظروف غير انسانية ولا يخرج منها بعضهم إلا الى القبور تعذيبا أو إعداما بدون محاكمة أوبعد محاكمة شكلية. تناست المفوضية وكل الذين أقلقهم صدور أحكام الإعدام أنه مازال أمام المحكوم عليهم أن يطعنوا فيها أمام محكمة النقض التى يمكن أن تلغيها وتحيلها الى دائرة أخرى أو تحكم فيها بنفسها. ويمكن لرئيس الجمهورية أن يخفف الحكم بمقتضى صلاحياته لأجل الصالح العام. كما لم تأخذ المفوضية الإفريقية ولا الجهات الأخرى المنتقدة للأحكام فى حسبانها أن المحكوم عليهم ليسوا مجرد معارضين لما وصفوه ب «الحكم العسكرى أو الانقلاب» وإنما متهمون بالتحريض على العنف والتخريب وبإتلاف ممتلكات عامة والانتماء لتنظيم محظور والتجمع بشكل غير قانونى وقتل ضابط شرطة. وتجاهلوا أيضا أن القاضى الذى حكم بإعدام 38 متهما هو نفسه الذى برأ 17 متهما فى القضية نفسها. اهتمام مفوضية السلم والأمن التابعة للاتحاد الافريقى أيضا بإنهاء ظاهرة الاستيلاء على الحكم فى الدول الإفريقية بالقوة المسلحة أمر تستحق عليه الثناء وتحتاج اليه بشدة الشعوب الإفريقية التى عانت طويلا من حكم العسكر وما تسبب فيه من تبديد للموارد وتخلف التنمية وتدهور مستويات المعيشة وتفجر الصراعات القبلية والعرقية على السلطة. لكن يتعين التمييز بين انقلاب يقوم به عسكريون لإطاحة نظام حكم مدنى منتخب وتولى الحكم بدلا منه وبين انتفاضة شعبية مثل ثورة 30 يونيو 2014 شارك فيها ملايين البشر مطالبين بإسقاط النظام واكتفى الجيش خلالها بالانتشار فى الشوارع لمنع حمام دم متوقع بين المحتجين وأنصار النظام. فإذا كانت المفوضية ستعتبر 30 يونيو انقلابا رغم مشاركة ملايين المدنيين فيها وعدم تولى العسكر الحكم بعدها،فلماذا لم تعتبر ثورة يوليو 1952 انقلابا مع أن العسكر وحدهم هم من أطاحوا بنظام الحكم واستولوا على السلطة وحكموا مصر سنوات عديدة ؟ كان يتعين أيضا على مفوضية الاتحاد الافريقى التى جمدت عضوية مصر بدعوى أن ثورة 30 يونيو انقلاب على رئيس مدنى منتخب أن تعمل بالهمة نفسها لحل الخلافات التى تهدد السلم والأمن فى افريقيا وفى مقدمتها الخلاف بين مصر واثيوبيا على بناء سد النهضة الذى يهدد بتعطيش 90 مليون مصرى يشكلون نحو 10% من سكان القارة. وكان الأولى أن تسارع المفوضية للوساطة بين دولتين محوريتين عضوين فى الاتحاد واقتراح حلول للخلاف بينهما وقول كلمة الحق دون مجاملة لأى منهما، كلمة تؤكد حق مصر التاريخى فى مياه النيل الذى تعتمد عليه بنسبة 95% من احتياجاتها المائية وحق اثيوبيا المشروع فى بناء سد لتوليد الكهرباء اللازمة للتنمية دون إضرار بالمصريين والسودانيين. أما إقحام المفوضية نفسها فى شئون داخلية بتجميد عضوية مصر قبل أن تتثبت من حقيقة ما حدث فهو إجراء يحسب عليها وليس لها لأن افريقيا تخسر كثيرا بالابتعاد عن مصر التى تساهم فى عمليات حفظ السلام بمناطق النزاعات الافريقية ويشكل ما تسدده للاتحاد الافريقى أكثر من 10% من حجم ميزانيته السنوية التى تعانى من عجز دائم فضلا عن مساهماتها الملموسة فى مشروعات التنمية فى كثير من الدول الإفريقية. ولو ردت القاهرة باتخاذ قرار فى مجال واحد فقط مثل سحب قواتها من بعثات حفظ السلام لوقع الاتحاد الافريقى والأمم المتحدة فى مأزق كبير لأنه من الصعب تعويضها بقوات من دول افريقية أخرى لأنها اما غير متوافرة أوغير مدربة أوغير مسلحة بالقدر اللازم للقيام بمهمتها. وكان الأهم أن تدخر المفوضية جهودها لحل نزاعات أخرى مثل افريقيا الوسطى، حيث يتم قتل وتهجير المسلمين قسرا، والنزاع على الحدود الذى فجر حربا مهلكة بين أثيوبيا واريتريا ومشكلة الصحراء الغربية التى وترت العلاقات بين المغرب والجزائر والحرب الأهلية فى الصومال والكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان، ولحماية رموز المعارضة من التنكيل بهم فى دول مثل اريتريا وزيمبابوى واثيوبيا والسودان ورواندا وتشاد وأنجولا. المصدر: الاهرام المصرية 4/5/2014م