إزدادت نسبة ظهور عبارة ان "الحوار الوطني مات وشبع موتاً" وأننا نرفع الفاتحة على روحه، وبشكل أكثر دقة (سقط الحوار الوطني فى الاختبار الاول) وغيرها من العبارات الدالة على ذلك. وتأتي هذه العبارات من احزاب كانت تمتلك حماساً كبيراً للإنخراط فى هذا الحوار منذ انطلاقته الاول فى يناير 2014 وتمثل هذه العبارات خلاصة تجربتهم فى التعاطي مع الحزب الحاكم. ولكن الىأي مدى تكون هذه العبارات دقيقة وقادرة على تكييف موقف سياسي محدد لهذا الحزب او ذاك؟ هذا ما ستكشفه المنطلقات الايدلوجية التى يقف عليها كأرضية من يطلق هذه العبارة أو تلك. ولا يمكن ان ينطلق حوار سياسي بين قوى حزبية هي لا ترغب فى ان تصل هذه الخطوة الى غايات توافقية يتم بعدها اعادة تنظيم الحياة السياسية فى البلاد مع وجود النظام الحالي على سدة الحكم كما هو الآن. بما يفيد ان الرؤية السياسية المعنية وهي ضمنية وموضوعة بالذاكرة الخلفية التى لا تنطق تنتهي بسقاط النظام وهذه وجهة نظر خاصة بالنسبة لهذا القيادي الحزبي او ذاك لكنها خاضعة للتحليل والدراسة. وهذه العبارات التى تأتي كتمهيد لاتخاذ موقف مغاير من الحوار مع الحزب الحاكم تصطدم بواقع أنه لا بديل عملي الآن بيد هذا القيادي أو ذاك لهذه الخطوة وإنما هو تكتيك مرحلي يهدف منه لتعديل وضع صورته هو فقط. وهي تشبه حالة من حالات التمثيل الصامت بأن نأتي بأفعال تقود -بالتحليل- الى فهم مواقفنا السياسية الراهنة دون ان نصرح بها حقيقة، وفى الجانب الآخر نتحفظ على عدد من الاجراءات الحكومية. ليكون القول أننا (رفعنا الفاتحة على الحوار الوطني) على سبيل المثال هذا يعني بأننا نرى أنه لن يكون الحل المناسب فى المرحلة لأن الحكومة اتجهت بكلياتها لحسم التمرد عسكرياً فى دارفور وجنوب كردفان. وكذلك نرى أنها لم تعط مسألة الحريات التنظيمية أو حق النشر ما يستحقه من الاهتمام بأن يتحول النقاش حول هذه النقاط تماماً الى مواقفنا العملية من الحوار الوطني دون ان نناقش هذه النقاط تفصيلاً (بيننا). وبمثال: إن الحل العسكري لمشكلة التمرد فى المناطق المذكورة يجب ان يخضع للنقاش السياسي المطول فى ان يتقدم البديل المواتي والناجز الذي يجب على السؤال: متى وكيف سيتحقق السلام فى هذه المناطق؟ لتظهر الاجابة : يرغب قادة التمرد فى قيادة القوى السياسية فى البلاد الى مواجهة كلية مع النظام بغرض اسقاطه، وان على النظام ان يرتب وجوده السياسي مستقبلاً على أنه فى حالة مواجهة عسكرية وسياسية هنا. ولماذا لا يكون التفاوض هو بديل المواجهات المسلحة بين الحكومة والتمرد؟ لأن بعض قادة هذه الحركات يعتقدون انهم لن يحصلوا بالتفاوض على مطالبهم التى رفعوا من أجلها السلاح فى وجه الحكومة. والاسئلة بإجاباتها الملتهبة تضع الوسط السياسي فى البلاد امام مفترق طرق، لكن الامر يتجاوز التفكير الحزبي الشخصاني وهو السمة المميزة للحزبية هناك التفكير الاجتماعي المستقبلي ما هو مصير البلاد؟ وهل بإنغماس الحزب المعين فى المواجهات الفردية عبر التصريحات ولافتات القماش والبوستر، أن يقدم طرحاً سياسياً تبني عليه حلول امنية واقتصادية تجعلنا (نصوِّت) له فى أي صندوق اقتراع سيتم فتحه قريباً هنا؟ لنخلص الى ان التجزئة والتفتيت الذي طال هذه الاحزاب وضعتها كما هي فى حال الجزئية القطاعية قياساً بالتحديات التى تواجهها الدولة والمجتمع بالسودان، لأن اسقاط النظام (مجاناً) هكذا غير وارد. والجزئية هنا هي حالة عامة تعاني منها الدولة ككل بفعل الحصارات والمقاطعات الاجنبية وبسبب المقاومة الداخلية لمشروعات التغيير السياسي والاقصادي وكذلك بفعل توقف الكثيرين عن العطاء نكاية بها. كما أنه ليس من السياسة فى شيء إصدار الاحكام القيمية على خطوات جماعية لم تتحقق بعد فيها هذه الجماعية مثل الحوار الوطني، لأجل إثبات الذات وممارسة عملية التخمين البدئي الاستهلالي قبل التوقيت الحقيقي. الحوار الوطني هو خيار إرادي يلجأ اليه الناس تلقائياً عند شعروهم بأن الحلول الامنية والعسكرية لمشكلاتهم السياسية والاقتصادية لا تقدم وحدها النتائج التى يرجونها لأن الاصل هو السلام وليس الحرب بالمجتمع السوداني. وحتى لا يصبح الخيار العسكري –بلا نهاياته المفتوحة- هو المفهوم البديل للسياسة الواقعية بإمكانية التوصل لاتفاق منجز بين ابناء الوطن الواحد، يجب ان تلعب الاحزاب دورها الطليعي فى خلق حالة سلام داخلها أولاً. باعتبار ان الإكثار من منشورات نعيّ الحوار لا يعني نشر (نعي المؤتمر الوطني هنا) وإنما هو اشارة لتوقف خطوة سياسية هي أصلاً نبعت من المؤتمر الوطني نفسه وهذا سيضع هذه الاحزاب ضعيفة أمام حقيقة حجمها الطبيعي. وبارتياح عميق يمكن ان يعبر اي قيادي حزبي عن رؤيته لهذا الحوار الوطني قياساً على قيمة الحوار على مستقبل السودان. الناس والارض وليس نكاية فى حزب المؤتمر الوطني والذي هو جزء من هذا الكيان الكلي. لتستقيم الصورة وتجلس معدولة على الإطار القومي، فإن هذه المرحلة التى تمر بها بلادنا بحاجة الى قادة حزبيين قادرين على صناعة الامل للأجيال القادمة فى تأكيدهم (دوماً) بأنهم ينظروا الى سودان مستقبلي بأفق واسع وعريض. وإذا عادت للكلمة قيمتها واحترم الناس عقول بعضهم فإن الاشياء ستعود الى طبيعتها فمن خرج عن القانون هو ملزم بأن يعود اليه، ومن خدم الاجنبي ضد بلاده فبلاده هي احواج ما تكون الآن اليه، وان السلام يأتي بالعمل وليس بالكلام فقط. نقلا عن الصحافة 23/6/2014م