بقلم : اللواء ركن (م) يونس محمود محمد آخر ما تفتقت عنه عبقرية النظام المصري، هو تقديم إعانة لشعب غزة، المبتلي بالعدوان الإسرئيلي، والتآمر الدولي، والتواطؤ العربي (عدا القلة) على أن تكون الإعانة نوعية، تناسب المقام، والحال الذي يعيشه الشعب الفلسطيني الصامد في غزة (فكانت حاوية من الأكفان، ومكتوب عليها أكفان الموتى، هدية من الشعب المصري) في تصرف يبدو غريباً حقاً، وهو أقرب للشماتة والتشفي، منه لقصد الإعانة، والنصرة، والمساندة، إذ كيف يعقل أن يتمخض كل الموقف المصري، الذي بذل تاريخ مصر في إدارة الصراع مع العدو الصهيوني، وتشكل الوجدان الشعبي على عداوة اليهود، وخاض الجيش المصري الحروب المتتالية، الباردة، والساخنة والاستنزافية، ضد الصهاينة، كل ذلك من أجل القضية المحورية للأمة العربية والإسلامية (فلسطين والقدس ومحاربة الاحتلال وتحرير الأرض)، وقدمت مصر في سبيل ذلك أرتالا من الشهداء، والجرحى، وأنفقت الجهد والأموال، حتى تأهلت لما كانت عليه مصر قبل (السيسي)، الذي استطاع بتوجيه آخرين، أن يقلب الموقف المصري من النقيض الى النقيض، وان يصدر مرسوماً ملوكياً، يضع حركة حماس قيد قوائم الإرهاب الى جانب أخوان مصر، وبالتالي هم حلال الحركات، يذبح أبناءهم، ويقتل نساءهم، ويتحرش بهن وهن أسيرات في السجون، مغلولات في القيود. أما حكاية حياكة المؤامرة، وتدبير الكيد بالتنسيق مع الجانب الإسرائيلي المحتل، فهي أوضح من أن تحتاج إلى دليل، من خلال المواقف والتصريحات، واتجاهات الإعلام المصري الذي استبشر بعملية (الجرف الصامد) العامدة إلى اقتلاع حركة المقاومة الإسلامية من جذورها من غزة، وتجريدها من أي مقدرة عسكرية حالية، وحرمانها من أي إمكانية مستقبلية، وإجبارها على الركوع والخضوع، من خلال التأثير النفسي البالغ باستهداف المدنيين، وتعمد قتل الأطفال فلذات الأكباد، بتدمير مظان وجودهم، في البيوت، وملاجئ الأممالمتحدة (الأونروا) واستهداف المستشفيات لكتم ما تبقى من أنفاس الحياة في أجسادهم الضعيفة، وحرمان البقية من أي إمكانية نجاة وإسعاف ومداواة. العالم العربي، ومن خلال قنواته الرسمية لزم الصمت المريب، عدا (قطر والسودان وتونس) وبدأ كأنه يستمتع بالمشاهدة في هذه التراجيديا، ويتحسس رقابه خشية أن يطالها البطش الإسرائيلي، ولذلك قبضوا أيديهم عن أن تمتد بأي شكل من العون والمساعدة، وعقدوا ألسنتهم من أن يقولوا كلمة الحق، كما فعلت الشعوب الحرة والحكومات المحترمة في العالم، من البرازيل، وارغواي، وبرغواي، وفنزويلا، وحتى في أوروبا في بلجيكا وروسيا وغيرها من الدول والشعوب، استطاعت أن تسجل في دفتر الأحوال، موقفاً يحسب لها حين المراجعة والتدقيق. نعم.. كل ما استطاعت مصر تقديمه هو (حاوية أكفان كتب عليها أكفان للموتى) من فرط الغباء، فمعروف أن الأكفان أصلاً للموتى، وهل هناك أكفان لغير الموتى؟ وتناقض عنيد، مع قول الله تعالى : "ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون"، فالله رب العباد، يصف من يقض في سبيله بأنه شهيد، ونظام السيسي يصر على أنهم موتى، في تبخيس لمصارعهم الشجاعة، التي خاطبت جبنهم، وخورهم، وخيانتهم وفضحت إبعاد تآمرهم. وفي جهل متعمد من أهل (الأزهر) هل الشهيد أصلا يحتاج إلى كفن! إن النظام المصري، شريك أصيل في المجزرة التي جرت وقائعها طوال شهر كامل في غزة، باستخدام آلة القتل الصهيونية بكامل شدتها، مستفيدة من إحكام الحصار المصري على منفذ الحياة الوحيد الذي تتنفس به غزة، وهو معبر رفح، الذي طالت النيرات حتى الذين استأجروا به، باعتباره تخوم الحدود المصرية، وربما يكون أمناً، وهكذا.. حتى اذا تكاثرت الجراح في جسد أهل غزة، وسافر قرابة الألفين، شهداء لله رب العالمين، وتجاوز عدد الجرحى العشرة آلاف، (جاءت الحاوية المصرية تحمل الأكفان) لتغطي ما تبقى من أشلاء الأطفال، في عمل أقل ما يوصف بأنه (دنيئ) ممعن في الغباء والتعمد، لأن الأكفان، أولى بهما الأجداث الحية، التي تجلس في مقام القيادة في مصر، وأولى أن تغطي بها وجوههم، التي تحمل قتر الذل، وسواد المال، أما شهداء غزة، فدونكم البومات الصور، حيث تبدو وجوههم نضرة، ضاحكة مستبشرة، حتى من بعد مرور السنوات عليهم في القبور وجدوا كما هم، لم تمسهم الأرض، ولم يعتريهم التغيير و(التحلل) الذي يعاني منه الأحياء، سيما من تسموا بالزعماء في هذا الزمان العجيب. إن أحداً لا يمكنه تصور الدور المصري، وإن ينحط إلى هذا الدرك الأسفل، من التواضع، والخذلان، والخيبة، يرتجف مرعوباً من الجيش الصهيوني، بينما شباب القسام، يذبحونهم ذبح الشياة، حتى سجلت حالات الانتحار وأذى النفس في صفوف الجيش الإسرائيلي المحتل أعلى المعدلات، حتى لا يرسلوا لقتال مجاهدي القسام، الذين حققوا المستحيل، وأحرجوا الجيوش العربية النظامية، بأن النمر الإسرائيلي الذي تحسبون، هو نمر من ورق، لن يجد المرء تفسيراً أبداً مهما دقق في رسالة النظام المصري، وباسم الشعب المصري، أن يكون كل سهمه في حرب غزة، ومآسي هدم البيوت، وإبادة البشر، أن يكون (أكفان للموتى، وكمان إهداء من الشعب المصري) لأن الهدية لا يمكن أن تكون (كفنا) بأي حال كما يقتضي (المعروف). يمكن أن تكون طعاماً، أو دواءً، أو كساءً، أو إيواءً. ولعل ذاكرة الشعب المصري تدخر حدثاً في العام 1947م، حينما استشرت الكوليرا في مصر، وقتلت الآلاف، وقتها تبرعت (فلسطين بمبلغ مائة جنيه) دعماً للشعب المصري، برغم أنها واقعة تحت الانتداب، وتمور فيها أحدث العام 1948م. نعم، لم ترسل أكفاناً لشعب مصر، وكان للمائة جنيه أن تسع كل الموتى أكفاناً، وتزيد ولكن يأبى نظام (السيسي) إلا أن يأتي بالعجائب وما لم يأت به الأوائل. نقلاً عن صحيفة اليوم التالي 7/8/2014م