أنا أكره حماس كره العمى ، و أكره قيادتها كره الطاعون ، عافاكم الله ، لكن الشعب الفلسطيني هو عشيرتي و تاريخي و عرضي ، و ما تقوم به الحكومة المصرية معيب إلى حدود القرف ، و ما يقوم به الإعلام المصري في كثير من رموزه الفاسدة مثير للانزعاج ، و إذا كان هناك من توصيف للموقف المصري من الأحداث الدموية الجارية في غزة فهو موقف مخزي إلى أبعد الحدود ، و حتى نكون صرحاء بكثير من الموضوعية ، فإن الجميع يتساءل اليوم : هل حصلت ثورة شعبية في مصر ، لماذا حصلت ، و هل هذا الموقف المصري هو النتاج المنتظر لهذه الثورة ، و هل أن هذا الشعب العظيم يستحق "موقفا" بهذا السخف . دعونا نتكلم بصراحة تامة ، نحن نعانى من الشعب الليبي و قيادته السابقة إلى حد اليوم ، و الشعب الليبي من أكثر شعوب الأرض خداعا و مخاتلة و نفاقا ، القيادة الليبية السابقة و الحالية فعلت في الشعب التونسي ما يفعل العدو بعدوه ، الشعب الليبي تصرف مع شقيقه التونسي دائما بلغة الغرور و الفساد الأخلاقي و بالجحود ، لكن لان هذا الشعب قد تعرض إلى نكبة " ثورية" فقد تقاسمنا معه نفس الأحزان و لقمة العيش لنثبت للعالم أن الشعب التونسي أرفع بكثير من مواقف الشعب الليبي و قيادته البائسة و "نقتل " هذا الشعب بالإحسان بدل معاملته نفس المعاملة و استغلال فترات هوانه للقصاص من خطاياه في حق الشعب التونسي و عرضه و ماله . نقول هذا حتى يفهم البعض أن القيادات و المواقف البائسة لا تدوم و أن الشعوب العربية هي في الواقع شعب واحد مهما اختلفت و تعددت النوائب و المصائب ، لكن مصر ، أعنى القيادة السياسية دائما ، لم تكن يوما في مستوى مسؤوليتها الأخلاقية التاريخية تجاه الشعب الفلسطيني ، في عهد الرئيس عبد الناصر ارتكبت هذه القيادة فاحشة النكسة و مهدت لحصولها بتلك الكيفية المريعة ، قبله ارتكب الملك فاروق مجزرة في حق الجيش المصري ببنادقه الفاسدة ، ترك السادات ثغرة الدفرسوار الشهيرة التي تسللت منها اتفاقية كامب ديفيد وزيارة الكنيست و ما تبعها من تنازلات مؤلمة في الحق الفلسطيني ، جاء عمر سليمان ليعطى محمود عباس الضوء الأخضر العربي للإجهاز على الثوابت و التنازل عن الحقوق ، دافع أحمد أبو الغيط عن أمن إسرائيل بكل قوة ، أقفل مبارك الأنفاق و المعابر و العلاقة مع جزء من الشعب الفلسطيني تهمته الوحيدة أنه يقيم في منطقة و تحت حكومة خطأ ، مع الإخوان أقفل مرسى العلاقة مع رام الله و فتح الخط الساخن مع " العزيز " شمعون بيريز . هكذا تصرفت مصر الرسمية مع الشعب الفلسطيني ، و رغم ما تدعيه كل القيادات المصرية المتعاقبة من احتضانها للقضية و هيمنتها على الجامعة العربية لعقود من الزمن و فرضها سياسة المحاور فإن مصر لم تحقق أي انتصار ملموس للشعب الفلسطيني و لم تساهم في رفع جاهزية المقاومة أو في تسليحها أو في تدريبها التدريب المطلوب لمواجهة العدو و العدوان ، بل كرست زمن الانقسام الفلسطيني بكل عناوينه المختلفة المظلمة و بات الاقتتال الداخلي هو النتاج الوحيد لتدخل المخابرات المصرية المؤلفة قلوبها مع المخابرات الصهيونية و الأمريكية ، و إذا فرط السيد محمود عباس في كل الحقوق الفلسطينية هدرا فإن القيادات المصرية مسئولة مسؤولية كبرى في هذه الكارثة لأنها خدمت الصهيونية و أمعنت في بث روح الانقسام بين "السلطتين " المتنافستين . واضح اليوم ، و غزة تحت حصار الموت و التدمير ، أن المسئولين المصريين والإسرائيليين يعملون معاً بتناغم تام، وهذا ما كان يشكو منه الشعب الفلسطيني إزاء الدور السلبي و المعيب الذي كان يقوم به المصريون و الأمريكان فيما يسمى بعملية السلام، إلا أن الأمر كان أكثر وضوحاً في المحادثات التي جرت في القاهرة هذا الأسبوع بحيث لم يعد سرا أن مصر الرسمية تريد أن تسقط على الشعب الفلسطيني مسؤولية خطايا قيادته العميلة الفاسدة ، و من المعيب في هذا الظرف بالذات أن يحاول إعلام شارع محمد على اللعب بعقل الشعب المصري و دفعه إلى مساندة مواقف و تصريحات عبثية مجرمة تدل على خبث مروجيها تقول أنه حان الوقت للتخلص من شعب غزة و تركه إلى مصيره أو إخضاعه إلى الصراط المصري " المستقيم " حتى يصبح الأمر مشابها لما يحدث في "سلطة " رام الله" المتعفنة . تعم ، قيادة حماس لا تستحق إلا الرجم و الكراهية و المحاكمة العلنية ، لكن هناك في مصر من يسير على نفس طريق الخيانة للقضية و لمتطلبات المرحلة الفلسطينية ، فلن يصدق أحد اليوم القيادة المصرية بعد ثبوت تناغمها مع النظام السعودي و قبولها بالمكرمة الملكية ، و إذا كان مبارك قد وصل إلى قناعة بأنه بخدمته للصهيونية فهو يخدم طموحه في جعل مصر عزبة و مملكة آل مبارك يتوارثها الأبناء فإنه من الواضح أن رئيس مسافة السكة يريد أن يعرض مصر ما بعد الثورة على المزاد العلني الخليجي لكل المفلسين الأخلاقيين الذين باعوا كل شيء من أجل عروش كرتونية فاسدة ، لذلك سيثور الشعب المصري مجددا على هذا النظام بعد أن تبين الخيط الأبيض من الأسود و باتت مصر على قاب قوسين من الانضمام إلى النادي الخليجي الصهيوني . ليفهم الجميع للمرة الأخيرة أن سوريا هي بوصلة الأمة العربية و عنوانها الأول و الأخير ، فلم يعد في قاموس هذه الشعوب العربية لا مصر و لا الأردن و لا السعودية و لا بقية الدول الكرتونية الخليجية ، و بقدر انضمام مصر إلى سوريا و قدرتها على فسخ خطيئة قطع العلاقات معها ستكون معاملة الشعوب ، و بقدر انضمام مصر إلى دول الخيانة فستسقط الشعوب مصر من قاموسها هذه المرة إلى الأبد ، و ليعلم رئيس مسافة السكة أن السكة الوحيدة المؤدية لوجدان العرب هي سوريا ، يبقى أن مصر الرسمية قد تعودت على خيانة الأمة العربية ، و يجب على كل الشعوب العربية أن ترتب على الشيء مقتضاه ، نقطة إلى السطر. المصدر: بانوراما الشرق الاوسط 10/8/2014م