أكثر ما يثير الدهشة إصرار حكومة السودان على النفي الشديد بأن موجة الأمطار والسيول والفيضانات الحالية لا تستدعي إعلان البلاد منطقة كوارث طبيعية.. هذا وزير المالية يقول: "إن الوضع بالبلاد رغم تأثره بالسيول لا يستدعي إعلان الكارثة".. سنتجاوز السؤال المنطقي والمُلح حول شأن وزير المالية واختصاصه بتقييم حالة الأمطار والسيول والفيضانات، لننقل عن وزير الداخلية إحصاءات الكارثة الماثلة، حين كشف عن وفاة 39 مواطناً جراء السيول والأمطار في أنحاء البلاد، بجانب انهيار 3077 منزلاً بولاية الخرطوم، و1308 منازل بولاية نهر النيل، و409 بولاية كسلا، و300 بولاية شمال كردفان، و388 منزلاً بولاية النيل الأبيض.. فما هي الكارثة؟ يقصد بالكارثة الطبيعية كل حدث مدمر ناتج عن قوة طبيعية، والذي يخلف خسائر بشرية ومادية.. هيئة الأممالمتحدة تقول إن الكارثة هي حالة مفجعة يتأثر من جرائها نمط الحياة اليومية فجأة ويصبح الناس دون مساعدة ويعانون من ويلاتها ويصيرون في حاجة إلى حماية، وملابس، وملجأ، وعناية طبية واجتماعية واحتياجات الحياة الضرورية الأخرى.. نشير إلى أن منصب مساعد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي للشؤون الإنسانية يشغله مسؤول سوداني بترشيح من حكومة الخرطوم، كان قد وصف الوضع لفضائية سودانية بأنه كارثة "وسيطة". ويتعاظم حجم الكارثة في حالة البلاد التي لا تتمكن من تقديم المساعدة الغذائية والطبية والفنية واللوجستية للمتأثرين بها، وحكومة السودان بالتأكيد تقف عاجزة بإمكاناتها المتواضعة أمام الحالة الراهنة التي لا تعترف الحكومة بأنها كارثة، ولا شك أن الكارثة من ناحية أخرى هذا الإصرار المحير. التناقض واضح حين تتلقى الخرطوم الإغاثة والمساعدات حاليا من بعض الأشقاء منهم دولة قطر اعترافا بحاجتها للمساعدة، وقد قامت قطر بمد جسر جوي بناءً على توجيهات سمو أمير دولة قطر.. بيد أنه في ظل عجز الإمكانات الحكومية وشح المساعدات الخارجية بسبب موقف الحكومة الرافض لتوصيف الحالة المأسوية التي خلفتها الأمطار والسيول والفيضانات، يبقى المواطن المتضرر في خانة تلك الهرة التي دخلت بسببها النار تلك المرأة حين حبستها؛ فلم تطعمها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض.. التقارير الرسمية تعترف من جانب آخر بتزايد خطورة الوضع في الأيام والأسابيع القادمة.. وزير الموارد المائية والكهرباء أعلن ارتفاع مناسيب المياه في الأنهار المختلفة مما يشير إلى حدوث فيضان عالٍ، أما اللجنة العليا للفيضان بالوزارة دعت لاتخاذ التدابير اللازمة لحماية المواطنين خاصة بولايتي الخرطوم ونهر النيل.. وزير الداخلية مقرر المجلس الأعلى للدفاع المدني، قدم تقريراً لمجلس الوزراء في اجتماع استثنائي برئاسة الرئيس البشير الأسبوع الماضي، أوضح من خلاله تأثر معظم أنحاء السودان بأمطار سجلت معدلات أعلى من التوقعات وأعلى من المعدل السنوي، مما ترتب عليه خسائر في الأرواح وأضرار في الممتلكات. لقد كانت معظم تصريحات المسؤولين السودانيين مثار تندر من جانب كثير من المواطنين وهي في تقديري الخاص كانت محاولات للهروب إلى الأمام من الكارثة.. ففي الوقت الذي تتعاظم فيه المعاناة يقول وزير الموارد المائية والكهرباء أن ارتفاع مناسيب نهر النيل سيساهم في الري وتوليد إمداد كهربائي مستقر؟! أما والي ولاية الخرطوم فيقول: "نحتاج لعدد سبع سنوات لإنشاء شبكة متكاملة للصرف السطحي"؟! وجاء في أحد الرسوم الكاريكاتورية أن مسؤولا يمتطي سيارة فخمة وسط مياه الأمطار وقد كادت المياه تبتلعها وهو يبشر مواطنين في الطريق بأعلى صوته وقد وصل الماء إلى كتوفهم قائلا: "لقد احتججتم من قبل على ارتفاع أسعار الأسماك وهاهي الأسماك تأتيكم حتى بيوتكم بالمجان فأبشروا"؟! أحياء بأكملها في ضواحي الخرطوم أقيمت عشوائيا والسلطات تتفرج في مضارب السيول حين عجزت الحكومة عن توفير السكن الآمن للمواطنين.. بسبب هذه الكارثة انتبهت الحكومة فوجه النائب الأول للرئيس البشير الجهات المختصة بإعادة النظر في البناء والتخطيط والسكن في تلك المناطق.. إذن فإن جانبا كبيرا من الكارثة كان بيد السياسات الحكومة وليس بيد الظروف الطبيعية، وهي ظروف روتينية تتكرر كل عام في وقت معلوم.. ولعل أهم ملف أغلقت بسببه صحيفة الصيحة هو ملف الفساد في قطع الأراضي السكنية، وكانت الصحيفة قد اتهمت مدير مصلحة الأراضي السابق ووكيل وزارة العدل الحالي باستغلال نفوذه والاستحواذ على نصيب كبير منها لنفسه وقدرت الصحيفة قيمة الأراضي التي امتلكها خلال فترة توليه المنصب بحوالي (30) مليون جنيه سوداني ومن المعلوم أن توزيع القطع السكنية غدا دُولةً بين كبار المسؤولين والمتنفذين في الدولة، ولا عزاء لعامة الشعب الذي اتخذ من مناطق الهشاشة ومضارب السيول سكناً. المصدر: الشرق القطرية 9/8/2014م