صراعات "الحكومات" مع "المعارضة" تأخذ طريقين: إما استقواء (المعارضة) بالخارج للضغط على (الحكومة) للاستقالة، وإما الاستقواء بالداخل وتحريك الشارع والمظاهرات لإسقاط الحكومة. لكن يبدو أن الطريق الأول (الاستقواء بالخارج) لم يعد سلاحاً ناجحاً في كثير من تجارب العالم، لذلك صار الطريق الثاني (الاستقواء بالداخل والمظاهرات) هو الأكثر تداولاً حاليا في العديد من دول العالم. وأمامنا حاليا ساحتان تشتعلان بمنهج الطريق الثاني، حيث تشهد (تايلند) أعمال عنف ومظاهرات، ومواجهات بين جماعة (القمصان الحمر) المؤيدين لرئيس الوزراء السابق (تاكسين شيناواترا)، ورجال الأمن، وقد راح ضحيتها حتى الآن 21 قتيلاً، و825 جريحاً، ولاتزال أعمال العنف تجتاح العاصمة بانكوك، مما حدا قائد الجيش على التفكير في اختيار (حل البرلمان) لإنهاء الصراع الدامي هناك. والمشهد الآخر يتمثل في أعمال العنف التي اندلعت مؤخراً في (قرغيزستان)، التي راح ضحيتها 81 قتيلاً في مواجهات مع قوات الأمن، وهو رقم كبير في بلد تعداد سكانه 3،5 ملايين نسمة، وعلى الرغم من استيلاء (المعارضة) على مباني الحكومة والبرلمان وهيئة الإذاعة والتلفزيون، ومبنى المخابرات، فإن الرئيس المخلوع (كرمان بك باكييف) لجأ إلى مسقط رأسه "جلال أباد" وتحصن بالمؤيدين له، رافضاً الاعتراف بالحكومة المؤقتة ومحذراً من "حمام دم" في حالة مقتله! ومن خلال تجربتي (تايلند وقرغيزستان) يبدو أن اللجوء إلى الداخل وإشعال المظاهرات له ضريبة دموية كبيرة، فالعنف ليس هو الخيار المناسب للتغيير، ودائماً ما يلجأ إليه الطامعون في السلطة مستخدمين فيه الأبرياء من أبناء الشعب، الذين سيعودون إلى حقول الأرز وبيوت الصفيح والفقر الذين يعيشون فيه، بينما (الزعيم) الجديد يجلس على كرسي العرش وفي يده "الصولجان"! ولعل التجربة العراقية تمثل الساحة التي استخدم فيها (الطرفان) معاً، الاستقواء بالخارج، حين تم إسقاط حكم الرئيس الراحل (صدام حسين) من خلال قاذفات صواريخ ودبابات عسكرية أمريكية وبريطانية، وحين دخلت المعارضة البلاد، عاش العراق في حمام دم وقتل وتنكيل وصراع طائفي ومذهبي وعرقي، ولايزال مستمرا حتى الساعة!.. وحين لجأ المتصارعون إلى الانتخابات بديلاً لأعمال العنف، لم يعترف المهزوم بانتصار الآخر عليه! ولايزال العراق حتى الآن بلا حكومة! اخبار الخليج 14/4/2010