يبدو أن الصورة في المشهد السياسي السوداني في طريقها لأن تكون واضحة، فقد بدأ يزول غبش الرؤية حول الحوار الوطني، وبات في حكم الممكن وصول الفرقاء السودانيين لاتفاق وطني شامل ينهي المشكل السوداني من جذوره، فقراءة مشهد اتفاق آلية الحوار الوطني "7+6" وموقعي إعلان باريس "الجبهة الثورية وحزب الأمة القومي" على وثيقتين منفصلتين يحملان مضموناً ونصاً واحداً مع الوسيط الأفريقي ثامبو أمبيكي في أديس أبابا العاصمة الأثيوبية تكشف بجلاء أن تكاملاً في رؤى الفرقاء السودانيين قد يتبلور. ربما يقول أكثر المراقبين للمشهد السياسي السوداني تفاؤلاً بوثيقة اتفاق أديس أبابا بين الآلية الإفريقية رفيعة المستوى برئاسة ثامبو أمبيكي مع آلية الحوار الوطني (7+6) من جهة، ومع موقعي إعلان باريس الجبهة الثورية وحزب الأمة القومي من جهة أخري، ربما يقول اقتربت ساعة الصفر لانطلاق قطار الحل السياسي الشامل لحل مشكلات السودان، لكن ربما ينظر غير المتفائلين بمستقبل اتفاق أديس أبابا على أن المؤتمر الوطني قد يرفض الاتفاق بعد دراسته لجهة أن الحزب الحكم تحدث أكثر من مرة عن انه لا مفاوضات بينه والجبهة الثورية في إطار المنطقتين "جنوب كردفان والنيل الأزرق"، ويبدو واضحاً أن المؤتمر الوطني لا يريد الاعتراف بالجبهة الثورية، فقد قال ياسر يوسف مسؤول الإعلام في الحزب الحاكم في حديث سابق أن الدكتور غازي صلاح الدين العتباني رئيس حركة الإصلاح الآن، واحمد سعد عمر القيادي بالاتحادي الأصل هما مسؤولي الاتصال بالحركات المسلحة في آلية الحوار ويستشف من حديثه إنهما إذا وقعا اتفاقاً مع الجبهة الثورية قد يتنصل الوطني منه. ويرى المحلل السياسي الدكتور عبد الله آدم خاطر في حديثه ل"التغيير" إن اتفاق أديس أبابا يعتبر اقتراب للمؤتمر الوطني بصفة سياسية من مشروع السلام الذي جاء في إعلان باريس ويعد خاطر اتفاق أديس اختراق ولكنه مشوب بالحذر من قبل الحزب الحاكم الذي يضم في داخله أعضاء على شك كبير في نواياهم من الاتفاق الأخير ويدعو عبد الله أعضاء الوطني لضرورة الاستفادة من فرصة وثيقة أديس والتداول حولها للوصول إلى أن إعلان باريس خطوة قد تصل بالبلاد للسلام، مثلما فعلت اتفاقية نيفاشا ويعول عبد الله على سلام شامل يعزز التنوع ويعزز العلاقات الخارجية ويعيد علاقة السودان مع الأسرة الدولية والواقع الإقليمي، ويبدو أن مصطفى آدم القيادي بحزب الأمة القومي ناقم على تصريحات المؤتمر الوطني وموقفه من إعلان باريس، وقال في حديثه ل"التغيير" إن المؤتمر الوطني لم يقرأ إعلان باريس بصورة صحيحة بالتالي اتخذ إجراءات تعسفية تجاهه باعتقال الدكتورة مريم الصادق المهدي نائب رئيس حزب الأمة ويشير على أن اتفاق أديس أكد أن إعلان باريس خلق تكاملاً في ما يخص الرؤى بشأن الحوار الوطني الشامل ويرى أنه إذا ما توفرت الإرادة يمكن أن تكون هناك حلولاً للمشكلات السودانية، وبالتالي لا يوجد مانع من عودة الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي خلال شهرين، ويرى مصطفى أن المهدي بذل جهوداً جبارة خارج السودان من أجل تحقيق السلام. ولا يختلف المحلل السياسي حمد عمر حاوي كثيراً في حديثه ل"التغيير" عن ما ذهب إليه خاطر في قراءته للمشهد على ضوء اتفاق أديس، ويقول إن هناك مؤشرات في الداخل تدلل على أن الحكومة لا تريد حواراً حقيقياً، لكنه يشير إلى أن التوقيع على اتفاق أديس يعتبر ايجابياً إذا ما نظرنا للمبادئ العامة التي تضمنها، ويقطع بأن الحد الفاصل في أمر الحوار هو النوايا، وتبدو مخاوف حاوي من إمكانية تنصل الحكومة من اتفاق أديس في قوله إن الاتفاق لم يكن فيه شئ ملزم وبالتالي إمكانية الالتفاف عليه سهلة، ويلفت حاوي في هذا الخصوص إلى قوامة المؤتمر الوطني على عملية الحوار، وفي الوقت الذي تراجعت فيه حدة تصريحات قيادات المؤتمر الوطني تجاه الصادق المهدي بدأت تبره لا تحلو من عبارات التصالح والإخاء في حديث البروفيسور إبراهيم غندور نائب رئيس المؤتمر الوطني الذي أشار الى أن المهدي لم يتخل عن الحوار، ويذهب القيادي بالمؤتمر الوطني الدكتور ربيع عبد العاطي في حديثه ل"التغيير" إلى أن هدف كل السودانيين من الحوار هو تكامل الرؤى وصولاً إلى قواسم مشتركة، وينبه إلى أن عناصر الالتقاء بين الفرقاء السودانيين موجودة لكن هناك بعض العراقيل إذا تمكن الفرقاء من إزالتها فإن القطار سيصل إلى المحطة النهائية. لا فرق كثيراً بين إعلان باريس ووثيقة اتفاق أديس الأخير، بل إنهما يشكلان قاسم مشترك في العلاقة بين مكونات الدخل المدنية المعارضة والحاكمة ومكونات الخارج الحاملة للسلاح وإلى أن يتحرك الوسيط الأفريقي ثامبو أمبيكي في اتجاه تحويل اتفاق أديس إلى كائن حي يمشى بين فرقاء المعارضة والحكومة السودانية، فإن المؤتمر الوطني الحاكم ينتظر أن يدرس الموقف من كل الجوانب ويخرج برؤيته غير أن هذا الاتفاق الذي وجد تأييداً من الأمين العام للأمم المتحدة لا يترك مساحة للحزب الحاكم للتنصل لجهة أن الواقع الدولي يجعل رافضي اتفاق أديس يبحرون عكس التيار. نقلاً عن صحيفة التغيير 7/8/2014م