اعتراف بعض مسؤولي المعارضة السودانية بحال الارتباك والفوضى التي وسمت موقفه من الانتخابات، والإقرار الضمني بخسارته لها، قبل أيام من إجرائها، جاء بمثابة تسليم بواقع حال ضعف وهشاشة هذه المعارضة، في ظل تضارب مواقفها وتشتت صفوفها، على نحو منعها من الاتفاق حتى على موقف موحد إزاء المشاركة في الانتخابات من عدمها (بعد أن وعدت وتعهدت بتوحيد الصفوف وخوض الانتخابات على قلب واحد ويد واحدة!)، فما بالك بقدرتها على "إنقاذ البلاد والعبور بها إلى بر الأمان". والتصدي للقضايا الكبرى مثل "تحقيق الوحدة الطوعية مع الجنوب"، وتأمين "حل شامل للأزمة في دارفور"، على ما قال رئيس هيئة تحالف المعارضة، فاروق أبو عيسى، في تصريحات صحافية (7/4/2010). والحال، فقد برز قدر كبير من الغموض والالتباس والتناقض في مواقف قوى المعارضة الرئيسة في السودان (أحزاب "الأمة" و"الاتحادي الديمقراطي" و"المؤتمر الشعبي " و "الشيوعي" وغيرها)، بعد أن استنفدت وقتها وجهدها بين التهديد بمقاطعة الانتخابات أو الاستمرار فيها، أو طرح شروط لقبول المشاركة، حتى بدت وكأن كلا منها يغني على ليلاه، بدلا من السعي الدؤوب والمشترك لتوحيد جهودها فعلا، واستثمار أجواء الانتخابات سياسيا وجماهيريا، وتوظيفها لتقديم برامجها ومقارباتها للاستعصاءات الكثيرة، والأزمات الكبيرة التي يشهدها الواقع السوداني، في أكثر من مكان، وفي غير جانب من جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وبدت غالبية تلك القوى وكأنها لم تستعد جيدا لاستحقاق الانتخابات، علما أنه كان أحد أبرز البنود في اتفاق "نيفاشا" لسلام الجنوب، الموقع منذ العام 2005. ذلك كله جاء في وقت كان حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم، يسعى ويعمل ما بوسعه لعقد "تفاهمات" أو بالأحرى صفقات، بينه وبين بعض قوى المعارضة، كل على حدة، على نحو يوفر له كافة الفرص الكفيلة بانتصاره وتجاوزه لهذا الاستحقاق. وما يجدر ذكره هنا أن الرئيس عمر البشير لا يحركه دافع البقاء في سدة الحكم فحسب من خلال هذه الانتخابات، بل لعل دافعه الأقوى هو الاحتماء خلف الانتخابات لإضفاء الشرعية على حكمه ورئاسته، في حال فوزه فيها وهو ما بات مرجحا بنسبة كبيرة في مواجهة المحكمة الجنائية الدولية التي تلاحقه بتهم ارتكاب جرائم حرب في دارفور. وفي السياق، رجح البعض وجود "صفقة غامضة" بين الحزب الحاكم وبعض قادة "الحركة الشعبية لتحرير السودان"، تقضي بانسحاب مرشحها ياسر عرمان من انتخابات الرئاسة، وانسحابها من الانتخابات البرلمانية في الشمال ودارفور، على نحو يفسح في المجال أمام فوز سهل للبشير، مقابل تسهيل إجراء الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب في العام المقبل، بما في ذلك انفصاله كاحتمال مرجح. وتعزيزا لاحتمال وجود مثل هذه "الصفقة" فقد نقل أن زعيم "الحركة الشعبية" ورئيس إقليم الجنوب، سلفاكير ميارديت، دعا الجنوبيين للتصويت لصالح الرئيس البشير ل "تجنيب البلاد مخاطر الخلافات والمشاكل". ورأى محللون أن سلوك القيادات الفاعلة في "الحركة الشعبية" يؤشر إلى أنها تستبعد احتمال الوحدة مع الشمال، وتسعى لترتيبات تقود إلى استقلال الجنوب وتيسر لها ذلك، في حين أن انتخاب عرمان للرئاسة، مثلا، كان سيشكل دعما قويا لخيار الوحدة، بوصفه واحدا من قيادات الحركة التي تنتمي إلى الشمال. وفي هذا الصدد نُسب إلى البشير أنه سيسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية استكمالا لمشروع "جبهة الإنقاذ" وهو ما عنى، في نظر المراقبين والمحللين، أنه يسلّم سلفا باستقلال الجنوب وانفصاله، لأنه يدرك أن مشروع الرئيس الأسبق جعفر النميري لتطبيق الشريعة (1983) هو الذي أسس لمعاودة انفجار الحرب في الجنوب، ذي الغالبية المسيحية والأرواحية. وهكذا، يمكن القول إن مساعي الحزب الحاكم لتفتيت المعارضة وبعثرة قواها قد أفلحت إلى حد كبير، وبذلك أصبحت حظوظه بالفوز قوية جدا، من غير الحاجة الكبيرة للتزوير فيها، في ظل تشتت المعارضة وتشظيها، والإحباط الذي تسببت به مواقفها، حتى في صفوف أنصارها ومؤيديها. والحديث لم يعد يدور حول مصداقية الحزب الحاكم فقط، بل كذلك حول مصداقية قوى المعارضة، أو بعضها على الأقل!. كما أن الانتخابات التي كان يفترض بها أن تكون محطة أساسية على طريق انتشال السودان من معضلاته المزمنة، يمكن أن تتحول بدورها إلى واحدة أخرى منها وأن تفتح الأبواب على مشاكل إضافية تزيد من تفاقمها!.