فاجأني أحد طلاب الدراسات العليا في برنامج الدراسات الشرق أوسطية خلال محاضرة حول مستقبل العالم العربي في ظل هذه التحولات الكبرى التي تجتاح المنطقة بسؤال: هل تعتقد أن المنطقة تتعرض لحرب كبرى؟ بداية كان لا بد من تحديد المقصود بالحرب الكبرى عن غيرها من الحروب . . وثانياً مصدر هذه الحرب، وثالثاً أهدافها، وأخيراً التوقعات التي يمكن أن تترتب على مثل هذه الحرب؟ لو أردت تلخيص تاريخ المنطقة بمراحله المختلفة لخلصت إلى أن المنطقة هي منطقة حروب وصراعات . وطوال تاريخها هي منطقة مستهدفة في موقعها الاستراتيجي، ومواردها الاقتصادية وخصوصاً النفطية . فالمنطقة تتميز عن كل المناطق الجغرافية بأنها تقع في قلب حزام من القوى الإقليمية والدولية المتنازعة والمتصارعة على مقدرات المنطقة، ولذلك بوعي مقصود زرعت في قلب المنطقة قوى مذهبية وطائفية، وكياناً سياسياً غريباً على المنطقة هو "إسرائيل"، لتكون بمثابة القوة المانعة لتقدم وتطور المنطقة . وقد تعرضت المنطقة لحروب كثيرة ما بين صغيرة ومتوسطة وكبيرة، وكلها هدفت لاستقطاع أجزاء منها . وهذا ما حدث فعلاً في العديد من الدول العربية . وقد أذكر بالحروب الصليبية ذات الطابع الديني، وحرب إيران والدولة العثمانية وهي حرب دينية، والتي عادت من جديد تطل برأسها بشكل قوي وكأنها حرب ثأرية . وشهدت المنطقة أو كانت أرضها مسرحاً للحربين الكونيتين، فمن أخطر نتائج الأولى تقسيم المنطقة وفقاً لخرائط سايكس بيكو، تحقيقاً لمصالح الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية في أعقاب سقوط دولة الإمبراطورية العثمانية، وهذا التقسيم وهو بداية التأصيل للدولة القُطرية، كان يحمل في متنه جذور الحرب، وأما الحرب الثانية فكانت أخطر نتائجها بداية تغلغل النفوذ الأمريكي في المنطقة وصولاً إلى التواجد المباشر من خلال القواعد العسكرية، ودخول المنطقة في مرحلة الحرب الباردة بين القوة الأمريكية الزاحفة للسيطرة على المنطقة، والقوة السوفييتية المتطلعة للمياه الدافئة والوصول لمنابع النفط، ولهذا الهدف قسمت المنطقة سياسياً بين هاتين الدولتين، وأقيمت "إسرائيل" لهذا الغرض . وهذه الصورة من الحروب تتكرر اليوم ولكن بشكل شرس، وبهدف اقتلاعي أيضاً . ولقد أدى تجذر الدولة القُطرية على حساب الدولة العربية الواحدة القوية، إلى انتشار مظاهر الحكم المستبد، وتراجع الدولة الديمقراطية المدنية، وانتشار مظاهر الفساد، وظهور مفهوم الدولة الأمنية التي تحمي النظام دون الأخذ بسياسات الاندماج والانصهار للأقليات التي تعيش في قلب المنطقة، ولذلك غابت الرؤى التنموية الاجتماعية، وغابت المواطنة الواحدة، وبقيت كل أقلية تحتفظ بولائها الخارجي . وساهم سقوط الدولة القُطرية أو الدخول في مرحلة الدولة الفاشلة في بروز دور الفواعل من غير الدول، وخصوصاً الحركات الإسلامية الإرهابية التي توظف الدين في تحقيق مآربها، وتنتهز الفرصة وتنقضّ على أركان الدولة القُطرية المتهالكة . ويبدو أن ملامح هذه الحرب الكبرى بدأت بالتبلور، وهي حرب كبرى لتعدد الأطراف والقوى الإقليمية والدولية والفواعل من غير الدول المنخرطة فيها، فهي كبرى بتعدد أطرافها، وهي حرب اقتلاعية لأن الهدف منها التخلص من كل المشروع العربي القومي، وإعادة تقسيم المنطقة بإدخالها حالة من الفوضى الشاملة الكفيلة بفرض خريطة جديدة بما يتوافق ومصالح جميع الأطراف والقوى . وهذه القوى تعمل في إطار من الصراع بين القوى الدولية الكبرى الولاياتالمتحدة التي تسعى ليس فقط للحفاظ على مصالحها بل، وتثبيت وجودها، وتقاسمها الهدف ذاته روسيا التي تسعى من جديد لإحياء أحلام الإمبراطورية السوفييتية، ومما زاد من ضراوة هذه الحرب وتعقيداتها دخول طرف لا يقل خطورة عن الدول ذاتها، وهي الفواعل من غير الدول مثل "داعش" وسيطرتها على منطقة واسعة بين العراق وسوريا مستفيدة من فشل هاتين الدولتين . هذا السيناريو الكابوس الذي تتعرض له المنطقة، هو الذي يفسر لنا محاولات استهداف الجيش المصري باعتباره الجيش العربي الوحيد القوي والقادر على التصدي لهذه الحرب القذرة التي تتعرض لها المنطقة بمحاولة إشغاله بما تقوم به بعض الحركات من عنف وإرهاب في أعقاب سقوط حكم "الإخوان" الذي كان هدفه الأساس اكتمال مشروع الدولة الإسلامية التي تقودها تركيا . كل هذا يوضح لنا مدى خطورة المنطقة وضرورة إسراع الدول العربية في التصدي لها عبر سياسات متعددة ومتنوعة، بإحياء مشاريع الدفاع العربي المشترك . ولذلك فمواجهة هذا الاستهداف تكون بالوقوف إلى جانب مصر كمصلحة عربية عامة . وأخيراً مظاهر الحرب الكبرى أو الكونية بدأت ملامحها بتشكيل أول تحالف دولي يضم عدداً من الدول العربية للتصدي لموجة تمدد "داعش" في العراق وسوريا، ومعها حركات إرهابية أخرى . ويبقى السؤال عن تداعيات هذه الحرب وآفاقها ونهايتها، وهي تساؤلات تظل في حيز عدم اليقين، وتبقى كل الاحتمالات مفتوحة . ومن دون شراكة ومشاركة شعبية في هذه الحرب، قد ندخل في دوامة لا نهاية لها . المصدر: الخليج الاماراتية 14/10/2014م