لعل الكثيرين ممن ظلوا يتابعون موقف الحركة الشعبية الرافض لنتيجة الإحصاء السكاني تساءلوا عن سبب هذا الرفض ،و لعل البعض ايضاً تقبل وجهة نظر الحركة القائلة بأن الإحصاء لم يكن دقيقاً ، مع ان من الصعب قبول ذلك لسبب بسيط للغاية هو ان عملية الاحصاء التى تمت فى جنوب السودان بالذات قامت بها حكومة الجنوب ،واختارت بنفسها الفرق و الأتيام العاملة فيها، و راقبتها عن كثب وتابعتها شبراً شبراً لأنه و ببساطة ايضاً ، أمر حيوي و استراتيجي بالنسبة لحكومة الجنوب و يجري على أرضها و هى المسيطر الوحيد على الاقليم . إذن نعود الى السؤال و نسأل مجدداً ، ما سر رفض الحركة الشعبية للإحصاء السكاني و لا تود الإفصاح عنه ؟ الواقع ان بحثاً شاقاً و مضنياً أجرته (سودان سفاري) طوال الاشهر التى أعقبت الإحصاء وظهور رفض الحركة لنتيجته قادنا فى النهاية الى جملة من الحقائق ما من شك انها تمثل عماد الرفض الجنوبي للاحصاء ، فقد تبين من خلال عملية الاحصاء ان قبيلة الدينكا التى تعتبر القبيلة الكبري الرئيسية و التى يعتقد انها الاولي على مستوي الاقليم بلغ فى الاحصاء السكاني عدد أفرادها حوالي 3 مليون نسمة فى حي ان قبيلة النوير التى تعتبر تاريخياً فى المرتبة الثانية التى تلي الدينكا جاء تعداد أفرادها فى حدود 4 مليون نسمة! ومن الواضح هنا ان المعادلة- فى نظر قيادة الحركة الشعبية – قد اختلّت لأن قبيلة الدينكا و بحكم كونها الأكبر ظلت هى المسيطرة على الأوضاع فى الاقليم ، حيث يتقلد قيادة الحركة و قيادة حكومة الجنوب و المناصب القيادية فى الولايات و المقاطعات المختلفة ، فإذا كان عددهم قد تراجع فى حين تقدم عدد أفراد قبيلة النوير فان من شأن ذلك ان يقودنا الى معادلة مختلة مختلفة أثارت قلق و هواجس قيادة الحركة من ان تدين الأمور لقبيلة النوير و تصبح من ثم قبيلة الدينكا أقل حظاً مما هى عليه الآن و ذلك بحكم ان الجنوب السوداني – وهذا بالطبع أمر مؤسف – لا تزال تحكمه القبلية – و يحكمه العامل الاثني بشكل أساسي ،و تلعب المعتقدات المحلية الموروثة دوراً فى تشكيل الثقافات و من ثم تتبلور على أساسها القناعات السياسية ، إذ ان واحدة من مخرجات المعتقدات الشعبية فى الجنوب ان الأمور ستؤول فى المستقبل القريب للنوير ،و انهم سوف يقودون الجنوب بدلاً عن الدينكا و سواء صحت هذه المعتقدات أم لم تصح فهي بحكم الواقع مشاهدة و ملموسة ، الأمر الذى يفسر الى حد كبير سر رفض الحركة الشعبية للإحصاء السكاني و يعجب المرء هنا غاية العجب ، تري هل قام النوير بعملية تزوير مثلاً لإظهار قبيلتهم بهذا الحجم الذى يفوق حجم الدينكا؟ أم قامت الحكومة السودانية بالتدخل لإعطاء النوير هذا الحجم و لماذا تستبدل الحكومة النوير بالدينكا ،و ما الذى يفيدها فى ذلك ؟ من الواضح ان الرفض هنا- بناء على هذه الحقيقة – ليس فيه منطق ، فارتفاع عدد قبيلة ان نقص أفراد أخري هذه أور لا يتحكم فيها احد و هى واحدة من سنن الحياة المعتادة و ما ينبغي ان تكون محلاً للرفض !