كثيراً ما يتهم الغرب وواشنطن، روسيا بأنها تستخدم سلاح الطاقة في تحقيق أهدافها السياسية، وروسيا تنكر ذلك دائما وتقول إنها لا تخلط بين السياسة والتجارة. ولكن أحيانا يتطلب الأمر من موسكو التدخل سياسيا في الشؤون التجارية لتحسم قضية ما لصالحها، والآن أتى الوقت لتلعب روسيا لعبتها في انتخابات الرئاسة التي ستجرى في أوكرانيا في يناير القادم، والتي ستحدد نتيجتها مسار العلاقات بين البلدين، ربما لسنوات طويلة قادمة. الشتاء على الأبواب والمتوقع طقس بارد كالعادة، والإقبال على الطاقة سيزداد، والأزمة الاقتصادية تطحن معظم بلدان العالم ومنها أوكرانيا التي تعاني ربما أكثر من غيرها، وفي نفس الوقت فهي في حاجة إلى المال لشراء الغاز للتدفئة في الشتاء، وعدم توفر المال ربما يضطر روسيا مرة أخرى لقطع الغاز عن أوكرانيا، مثلما فعلت في رأس السنة الماضية. ولكن آنذاك لم تكن الانتخابات على الأبواب، وكانت أمام الرئيس يوشينكو الفرصة للعب بأوراق ضد روسيا، فلم يستجب لطلباتها، وانتظر منها أن تقطع الغاز لينقطع بالتالي عن أوروبا التي يمر إليها الخط من روسيا عبر أوكرانيا، وبالفعل انقطع الغاز وتصاعدت الأزمة، وضع يوشينكو روسيا في وضع حرج أمام الأوروبيين. الآن الأزمة تختلف، وعدم سداد أوكرانيا لثمن الغاز الروسي في الميعاد، سيعني في هذه المرة التأثير على أصوات الناخبين في انتخابات الرئاسة، وسيتضرر من الأمر إما الرئيس يوشينكو أو منافسته في الانتخابات رئيسة الحكومة تيموشينكا، أو كليهما معا ليفوز بالانتخابات حليف موسكو زعيم حزب الأقاليم المعارض فيكتور يانكوفيتش. وقد أعلن رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين، بعد اتصال هاتفي مع نظيرته الأوكرانية يوليا تيموشينكو، عن احتمال تعثر أوكرانيا في دفع فواتير الغاز الروسي، للمرة الأولى منذ الصيف الماضي. ويحل في 9 نوفمبر موعد دفع مبلغ 460 مليون دولار أميركي، هي قيمة الغاز الذي استوردته أوكرانيا من روسيا في الشهر الماضي (أكتوبر). وأبلغت تيموشينكو نظيرها الروسي أن رئيس الجمهورية الأوكرانية فيكتور يوشينكو، حظر سحب أي مبلغ من احتياطي الجمهورية من الذهب والعملات الصعبة (ويقدر هذا الاحتياطي ب2728 مليار دولار ). قد حصلت أوكرانيا على 6,10 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي منذ بداية العام الجاري، إلا أن الصندوق اشترط لإقراض أوكرانيا تقليص النفقات العامة ورفع سن التقاعد. ويرى الخبراء أن أي سياسي يتبنى قرارا من هذا القبيل وبلاده مقبلة على الانتخابات الرئاسية، يكون قد أصدر حكم الإعدام في حقه. ولا يستبعد المراقبون أن تكف أوكرانيا عن دفع فواتير الغاز الروسي، حتى تضغط النفقات العامة استجابة لضغوط صندوق النقد الدولي. والأغلب ظنا أن الرئيس يوشينكو سيطالب بإعادة النظر في اتفاقية استيراد الغاز الروسي. وبالتالي فإن معركة الانتخابات الأوكرانية قد تصاحبها «حرب محروقات»، بين أوكرانيا وروسيا. في نفس الوقت زادت شركة «غازبروم»، كبرى شركات صناعة الغاز في روسيا، إنتاجها في الفترة الأخيرة حتى تغطي الطلب المحلي والأوروبي المتزايد على الغاز. ويتزايد الطلب على الغاز الآن بسبب ارتفاع الطلب على المحروقات انتظارا للشتاء القادم. وهناك سبب آخر وراء ارتفاع الطلب على الغاز، وهو أن مستوردي الغاز الأوروبيين قللوا مشترياتهم في النصف الأول من هذا العام، متوقعين انخفاضا كبيرا في أسعار الغاز في نهاية العام، وهم الآن بصدد تعويض ما فات لتغطية طلب المستهلكين. ويتوقع أن تقبل أوروبا على شراء المزيد من الغاز الروسي في الأشهر الأخيرة من العام الجاري، الأمر الذي لا يتصور معه أن تستمر روسيا في توريد الغاز لبلدان لا تستطيع دفع ثمنه، مثل أوكرانيا وغيرها. كاتب أوكراني المصدر: البيان 12/11/2009