حقاً ما الذي يجري بشأن سياسات السودان في مجال الموارد المائية؟. أو بالأحرى هل هناك مجال للقول بوجود رؤية استراتيجية محل اتفاق بين خيارات الإرادة السياسية ومتطلبات الاعتبارات الفنية بما يحقق المصالح الوطنية العليا للبلاد، أم أن الأمر متروك لاجتهادات رسمية عابرة تفرضها حسابات سياسية راهنة وتوازنات وقتية ليس من بينها ضرورة النظر لأبعد من ضغوط الحاضر؟. فقد شهدت الخرطوم في الأيام القليلة الماضية اجتماعات مهمة لمسؤولين رفيعي المستوى في العلاقات الخارجية، وعن الموارد المائية في منطقة حوض النيل، سواء ما يتعلق بتطورات اتفاقية عنتبي الإطارية، أو موضوع تداعيات سد النهضة. كما تم الإعلان عن قمة ثلاثية سودانية مصرية إثيوبية في الخرطوم للتوقيع على إعلان بشأن سد النهضة في الأسبوع المقبل، وسمع الناس تصريحات رسمية من الجانب السودان تبدي ارتياحاً كبيراً حيال ما يجري. ولأنني لست في موضع معرفة فنية علمية بقضية المياه والموارد المائية والصراع المحموم عليها سواء في منطقة حوض النيل أو في غيرها إلا ما بات محل وعي عام بأن الحروب المستقبلية في مناطق مختلفة من العالم ستكون حروباً من باب الصراع حول المياه، فإن نكتفي بإثارة تساؤلات لأصحاب الشأن سواء من صنّاع القرار السياسي، أو الخبراء المختصين من السودانيين أصحاب الباع في هذا المجال، ولعل آخر ما نحتاجه أن يخضع موضوع حيوي بهذه الخطورة للشد والجذب والخوض فيه بلا علم أو كتاب منير. وما يثير القلق بوجه خاص في هذا المسألة ما بدا من تجاهل رسمي كامل لما أثاره مقال منشور للمهندس كمال علي الوزير الأسبق للري والموارد المائية الأسبق لعدة سنوات، والمعلوم عنه أنه من الشخصيات المشهود لها بالخبرة الطويلة في هذا المجال، فضلاً عن أنه ليس سياسياً بالمعنى العام المتداول، وليس في وارد إثارة جدل بلا معنى أو مضمون، وبالتالي فإنه عندما يَطرح أراءً ناقدة، وهذه بالمناسبة ليست المرة الأولى التي يكتب فيها في هذا الشأن منتقداً السياسات الرسمية في مجال الموارد المائية الحيوية، فلا أقل من أن يَجد ما يثيره من قضايا ردوداً شافية من الجهة التنفيذية المسؤولة بما يطمئن الرأي العام على سلامة السياسات الحكومية الرسمية في هذه القضية الحيوية البالغة الأهمية والخطورة على حاضر ومستقبل البلاد. وكم كان مؤسفاً أن تمر وسائل صناعة الرأي العام هي الأخرى مرور الكرام على القضايا الحيوية التي أثارها الوزير الأسبق الذي يبدو أنه لجأ مضطراً إلى كتابة مقال ودفعه للنشر، ما يوحي بضيق مواعين التشاور وزهد السلطات الحاكمة في الاستئناس بأهل الرأي من ذوي الأهلية العلمية والخبرة العملية والاستقامة المهنية والأخلاقية، فقد عرف الناس وسائطنا الإعلامية تشغل بالها وتشغل مواطنيها بأمور أقل شأن وأهون خطراً مما نبّه إليه المهندس كمال علي. والواقع أن ما أكتبه اليوم سبق أن عايشت مثله قبل 15 شهراً، واعترف أن حالة فزع عظيم انتابتني وأنا أقرأ مقالين مهمين لوزيري الري السابقين الدكتور يعقوب أبو شورة والمهندس كمال علي نشراها حينها بشأن تقييمها الفني لمردود تنفيذ سد النهضة الإثيوبي على السودان، وتناوشتني أسئلة حائرة عن مدى توفر دواعي الحكمة والمسؤولية في نهج أصحاب القرار وهم يتخذون موقفاً حاسم الانحياز لصالح هذا الشأن المصيري الخطير دون دراسات ومشاورات كافية. فقد أعاد انعقاد الاجتماع الثلاثي لوزراء الري في السودان ومصر وإثيوبيا في الخرطوم حينها بشأن متابعة توصيات اللجنة الفنية الدولية حول التأثيرات السلبية والأضرار المحتملة لتشييد السد الإثيوبي على السودان ومصر، أعاد الجدل المحموم حول التبعات والتداعيات المستقبلية للسد. وكذلك الاجتماع الثلاثي لوزراء الخارجية في البلدان الثلاث هذا الأسبوع. ليس سراً أن وزارة الكهرباء والموارد المائية السودانية سارعت إلى إعلان تأييد تشييد السد منذ وقت مبكر معتبرة أنه يحقق فوائد جمة للسودان، فيما أعلنت مصر موقفاً معارضاً لبنائه لتأثيره على حصتها المكتسبة من مياه النيل، فيما تؤكد إثيوبيا تصميمها على المضي قدماً في بنائه. ما يثير القلق في مقالي الدكتور يعقوب أبو شورة والمهندس كمال علي، وغيرهما أيضاً من المختصين، هو أن تحفظاتهما الفنيّة على تشييد السد من واقع اتفاقهما على غلبة الآثار السلبية المترتبة منه على السودان، في ظل عدم وجود ضمانات كافية من الجانب الإثيوبي لتفاديها سوى إبداء حسن النية. المصدر: الراية القطرية 16/3/2015م