مقدمة: (لماذا لم أعلق علي سد النهضة الإثيوبي في وقت سابق) لم أعلق علي سد النهضة الإثيوبي في الفترة الماضية لعدم التمكن من الحصول علي دراسات سد النهضة سواءً في الفترة التي كنت فيها وزيراً حيث أن إثيوبيا لم تسلمنا الدراسات في تلك الفترة وكذلك لم نتمكن من الحصول حتي اليوم بعد أن سلمت إثيوبيا الدراسات لممثلي الوزارة الجديدة وهي وزارة الكهرباء والموارد المائية والتي أصبحت هي المسئولة بعد إلغاء وزارة الري والموارد المائية منذ أكثر من عام ونصف. أما في الفترة الوجيزة الأخيرة فقد إطلعت علي ما نشره الفنيون القياديون الإثيوبيون في ندوة حول سد النهضة إتضح من خلالها نظم التشغيل التي وضعها المختصون الإثيوبيون لتشغيل سد النهضة من حيث الملء في موسم الفيضان ثم التفريغ التدريجي لتوليد الكهرباء من السد وبذلك أمكنني مؤخراً تقييم الفؤائد والمضار من سد النهضة حيث رفعت وجهة نظري قبل فترة إلي المسئولين في الدولة. أولاً كتب د. يعقوب أبوشورة مقالة جيدة بصحيفة التغيير العدد 29 بتاريخ 31 إكتوبر 2013م إستهلها بالمبادئ العامة المتفق عليها وهي أهمية التعاون بين السودان ودول حوض النيل لا سيما مع إثيوبيا ودولة جنوب السودان علي أساس الإنتفاع المنصف والمعقول وعدم الإضرار وفي هذا الصدد أكدد أنه من الضروري أن يكون ملء سد النهضة في بدايته بتوافق تام مع إحتياجات السودان ومصر .. والإيفاء بإحتياجات السودان ومصر للري والكهرباء (كمياً وزمنياً) علي أن يتماشي ذلك مع تشغيل منظومة السدود السودانية وأوقات التشغيل وأضاف د. أبوشورة بلهجة صارمة أنه (إذا لم تلتزم إثيوبيا بذلك فإن ضرراً بليغاً سوف يصيب السودان وإذا لم تستجيب إثيوبيا لهذه المطالب التي تتفق مع القوانين الدولية للمياه فعليها أن تنتظر عواقب وخيمة من المجتمع الدولي ومن دولة السودان) .. وتعليقي علي ذلك هو أن إثيوبيا تجاوبت تجاوباً ممتازاً حيث وافقت علي تكوين لجنة فنية ثلاثية من السودان ومصر وإثيوبيا لتقييم الدراسات التي سلمتها لتلك اللجنة الثلاثية في عهد وزارة الكهرباء والموارد المائية السودانية في أوائل عام 2012م وإنتهت تلك اللجنة من عملها في مايو 2013م حيث أعلنت وزارة الكهرباء السودانية بأن سد النهضة كله فوائد للسودان وليس فيه أضرار علي السودان وفي تقدير معظم المهندسين السودانيين المختصين أن هذا الرأي خأطئ من الناحية العلمية الهندسية وفيما ذكره المهندسون المختصون في الندوات المختلفة. ثأنياً أكد د. ابوشورة علي ضرورة التأكد من سلامة سد النهضة بواسطة خبراء عالميين لتفادي إنهيار السد وحدوث عواقب مدمرة وخسائر فادحة بالنسبة للسودان لأن السد يقع بالقرب من منطقة زلازل علي حد تعبير د. أبوشورة وهذه في رأي المهندسيين السودانيين المختصيين نقطة مازالت عالقة بالرغم من أن إثيوبيا إستمرت في تنفيذ السد ولذلك ما كان ينبغي لوزارة الكهرباء والموارد المائية أن تستعجل وتعلن أن سد النهضة كله فوائد للسودان وأنه ليس فيه أضرار للسودان. ثالثاً أكد د.أبوشورة في مقالته أنه لم تجري إثيوبيا الدراسات البيئية وأكد علي ضرورة وأهمية دراسة الآثار البيئية والآثار السالبة الأخري علي السودان .. مؤكداً في مقالته أنه سيكون لسد النهضة آثار سالبة لأشك في ذلك وكذلك في رأي المهندسيين ما كان ينبغي لوزراة الكهرباء والمورد المائية أن تستعجل وتعلن أن سد النهضة كله فوائد وليس فيه أضرار أو آثار سالبة علي السودان بالرغم من عدم وضوح الرؤية حتي الآن بالنسبة للجوانب البيئية المتمثلة في مدي تلوث المياه والأضرار علي التنوع الإحيائي المائي وغير ذلك. رابعاً الآثار السالبة لسد النهضة علي السودان: أما عن الآثار السالبة لسد النهضة علي السودان فقد أكد د. أبوشورة في مقالته أن بعض الآثار السالبة تتمثل في الآتي: (1) الأثر السالب الأول: هنالك الآثار السالبة علي المواطنين الذين يسكنون في منطقة السد من جراء تهجيرهم (تعويضهم من جروف الخزان). (2) الأثر السالب الثاني لسد النهضة علي السودان: كما جاء في مقالة د. أبوشورة هو الأثر السالب علي السودانيين الذين يستغلون أراضي الجروف ويزرعون مساحاتها التي يغمرها الفيضان كل عام لأن تصرفات النيل سوف تنخفض وتكون أقل من التصرفات التي كانت تنساب في زمن الفيضان الطبيعي .. وتعليقي علي ذلك بل تعليق كل المهندسين السودانيين والزراعيين المختصين هو أن كل المواطنين السودانيين الذين ظلوا يزرعون أراضي الجروف الزراعية علي ضفاف النيل من الحدود مع إثيوبيا حتي الحدود مع مصر وعددهم آلاف مؤلفة سوف يفقدون هذه الأراضي الزراعية بسبب سد النهضة وهذا يمثل أضرار بالغة وخسائر فادحة للسودان ويستحيل ري أراضي الجروف بالطلمبات لأنها مساحات شاسعة وتتطلب تكلفة رأسمالية وتشغيلية باهظة تجعل من المستحيل أن تكون هنالك جدوي إقتصادية من زراعتها بالطلمبات مقارنة بالري المجاني للجروف حالياً ولذلك فإن المهندسين والزراعيين المختصين يؤكدون علي ضرورة أن يكون تمرير مياه النيل الأزرق في موسم الفيضان لتغطية مساحات الجروف الشاسعة شرطاً لازماً نظراً للمنافع الإقتصادية والإجتماعية الكبري التي تعود علي الشعب السوداني من زراعة مساحات الجروف الشاسعة ومن المعلوم أن أكثر من 80% من إيراد النيل الأزرق تأتي في موسم الفيضان. (3) الآثار السالبة الأخري لم يتعرض لها د. أبوشورة في مقالته وفيها الآثار المورفولوجية ذات الأضرار البالغة علي السودان وكذلك الآثار الخطيرة لتغذية المياه الجوفية التي كانت تتغذي علي جانبي النيل حسب الدراسات الهايدرولوجية التي أجريناها في أواخر الستينات وأوائل السبعينات كانت تتغذي من مياه فيضان النيل الأزرق أساساً من الحدود السودانية الإثيوبية حتي الحدود المصرية حيث أن مقدار فيضان النيل الأزرق الذي تتغذي منه المياه الجوفية علي ضفتي النيل يمثل 80% من الإيراد السنوي للنيل الأزرق. وكذلك إنعدام المبررات الهندسية والإقتصادية لرفع سعة التخزين من 12 مليار متر مكعب التي حددتها هيئة الإستصلاح الأمريكية في موقع سد النهضة المقترح إلي 74 مليار متر مكعب التي حددتها إثيوبيا مؤخراً بالإتفاق مع شركة ساليني الإيطالية .. هذا بالإضافة إلي المخاطر الأخري ذات الجانب الفني الهندسي المتخصص. خامساً فؤائد سد النهضة للسودان: أشار د. أبوشورة في مقالته إلي أن سد النهضة سيؤدي إلي زيادة مساحات زراعة العروة الشتوية وزيادة توليد الكهرباء من المشاريع والخزانات القائمة حالياً والمخطط لقيامها في النيل الأزرق والنيل الرئيسي مستقبلاً في إطار حصة السودان من مياه النيل وتعليقي علي ذلك وتعليق المهندسين والزراعيين هو أنه وحسب الدراسات التي أجرتها وزارة الري والموارد المائية سابقاً فإن تعلية خزان الروصيرص التي إكتملت منذ نهاية العام الماضي سوف تحقق ري كل مساحات العروة الشتوية القائمة والمخطط لقيامها في السودان وسوف تؤدي إلي إنتاج أقصي حجم من التوليد المائي خصوصاً في فترة تفريغ خزان الروصيرص في موسم التحاريق وقد بداءنا في تحقيق ذلك فعلاً من خزان الروصيرص وسنار ومروي وعليه لا يحتاج السودان لمياه سد النهضة وتخذين هذا الكم الهائل البالغ 74 مليار م3 لدعم العروة الشتوية أو زيادة التوليد المائي بالسودان والمعروف أن المشكلة ليست في نقص المياه وإنما في عدم تمويل متطلبات الزراعة والري وسوء توزيع المياه داخل الحقل بواسطة الروابط وليس بسبب إنعدام المياه للعروة الشتوية، وبالرغم من توفر المياه حالياً فإن مساحة القطن في مشروع الجزيرة التي كانت تزرع علي مساحة خمسمائة ألف فدان إنخفضت هذا العام إلي أقل من أربعين ألف فدان. أما مساحة القمح التي كان يزرع منها في مشروع الجزيرة خمسمائة ألف فدان في الفترة من 15 أكتوبر حتي 15 نوفمبر لم يزرع منها حتي الآن ولا فدان. وبعد إطلاعي المتأخر علي نظم تشغيل سد النهضة الذي وضعه المختصون الإثيوبيون فإنه ستكون هنالك إنتكاسة كبيرة في فترة ملء خزان الروصيرص بعد قيام سد النهضة والتي تمتد حوالي (50) يوماً تتمثل في إنتكاسة علي مشروع الجزيرة ومشروعات الري علي طول النيل الأزرق وملء خزان سنار. أما الفائدة الثانية التي ذكرها د. أبوشورة وهي الحصول علي كهرباء رخيصة للسودان من إثيوبيا وهذه لأخلاف عليها إذا توفر فائض بسعر زهيد من إثيوبيا. وفيما عدا ذلك لم يذكر د. أبوشورة أي فوائد لسد النهضة علي السودان. وفي الختام أتفق مع ما ذكره د. أبوشورة بشأن الآثار السالبة لسد النهضة وضرورة إلتزام الجانب الإثيوبي لمتطلبات السودان حيث فترة ملء سد النهضة والإلتزام بالجداول الزمنية والكمية تتماشي مع تشغيل منظومة السدود والمشاريع القائمة في السودان. هذا ولم تكشف وزارة الكهرباء والسدود والموارد المائية حتي الآن عن تفاصيل الدراسات الإثيوبية أو أي منافع أو أضرار علي السودان وإنما إكتفت بتصريح عام بأن سد النهضة كله فوائد علي السودان وهذا في تقديري وتقدير كل المهندسون السودانيون خطأً كبير. وبما أن إجتماعات اللجنة الثلاثية المدعومة بالخبراء الدوليين إنتهت في مايو الماضي وأن إثيوبيا واصلت التنفيذ في بناء السد وأعلنت في يونيو الماضي رسمياً أن الحكومة الإثيوبية سوف (تحاول) أن تعطي (الإعتبار) لمخاوف السودان ومصر وبالتالي سوف لا أتوقع أي نتائج عملية من أي إجتماعات ثلاثية تعقد من الآن فصاعداً .. وسوف نواصل. مهندس مستشار كمال علي محمد [email protected]