المتابع لنشأت حركات دارفور المسلحة يجد أنها كانت مثابة تحريض قام به جون قرنق رغبة منه في توسيع رقاع المواجهة وتشتيت قوى القوات المسلحة السودانية وزيادة الضغوط على الحكومة التي كانت تخوض مفاوضات حامية معهم وإجبارها على التنازلات المطلوبة في التفاوض بحسب أجندته. وعلى هذه القاعدة قامت حركة تحرير دارفور بقيادة عبد الواحد محمد نور، ثم ما إن لبثت تبنت تحرير السودان وكذلك انشأ خليل إبراهيم حركته العدل والمساواة، والتي انشق عنه مني اركو مناوي، لما رأى مبتغاه في اتفاقية أبوجا، حيث غاب خليل، ثم توالت الانشقاقات من هنا وهناك على مكونات الحركات المسلحة والتي كلها ظلت تواجه جسم واحد وهو القوات المسلحة والقوات النظامية المساعدة لها لتدخل معها في معارك كانت فاصلة ووضعت حداً لحركات كحركة عبد الواحد محمد النور التي انطفأ بريقها عقب معركة فاصلة بينها وبين القوات المسلحة السودانية بإقليم دارفور ولم تظهر بعد بنفس قوتها التي انطلقت بها كرائدة لحركات التمرد في دارفور. وهذه الحركات المتمردة، هي التي أوقفت عشرات مشروعات التنمية، كالطرق، وحفر الآبار، ومشروعات الكهرباء، والاتصالات، والخدمات الصحية والتعليمية، أوقفتها ودمرت بنياتها التحتية، حتى لا ينحاز المواطن للحكومة، ويعترف بأن يد الخدمات واصلة، بينما تريده الحركات أن يكون دائماً شقياً حانقاً على الحكومة. اللواء يونس محمود مستشار وزير الدفاع قال إن الحقيقة التي غابت عن قادة هذه الحركات، بأن (قرنق) لم يكن جاداً في أطروحاته، بقدر ما هو (خبيث) يريد فقط توظيف أو استثمار المواقف لمصلحته، ثم لا يقف عند وعد، ولايفي بعهد، وهذا ما فعله مع قادة الأحزاب السياسية والطائفية، الذين هم (بحكم التجربة)، أكثر خبرة من قادة الحركات المتمردة العنصرية، فوظفهم لمشروعه الكبير، ولمّا نال وطره، ضحك عليهم. معركة فنقة ويقول أحد القادة العسكريون إن معركة فنقة كانت فاصلة بين قوات عبد الواحد محمد نور جيش تحرير السودان والقوات المسلحة التي استطاعت فيها القوات المسلحة أن تكسر صمود حركة عبد الواحد في تلك الموقعة الشهيرة وأكد محدثي أن فنقة اسم لمنطقة تقع شرق الجبل وكانت حصينة لا يمكن أن تخسر فيها القوات المسلحة التي اتخذت من تلك المنطقة مرتكزاً وخسر فيها عبد الواحد معظم قواته وعتاده العسكري الشيء الذي جعله يتوارى من المسرح العملياتي إلا في نطاق ضيق مؤخراً أو ما يشبه حرب العصابات بعد أن كانت حركة أماً للحركات المسلحة والمتمردة في الإقليم. ويضيف المصدر العسكري أن التكتيك الجرئ الذي اتبعته القوات المسلحة فمكنتها من الهجوم في الوقت المناسب على قوات عبد الواحد بتلك المنطقة الحصينة جعل الغلبة تكون للجيش بعد أن شل تفكيرهم وأربك خططهم. وكانت هذه العملية تعتبر انموذجاً للتخطيط والتنفيذ الذي تم بمهارة عالية جعل قوات عبد الواحد تتوارى للابد وكانت واحدة من المعارك المخلدة التي كسبها الجيش ولها الأثر في نسف حركة بأكملها بعد أن هددت المنطقة كثيراً. معركة أم درمان يظل يوم السبت العاشر من مايو 2008 الذي شهد هجوم حركة العدل والمساواة على أم درمان والتي مرت ذكراها بالأمس، من الأيام التي حفرت في ذاكرة العاصمة الخرطوم بفعل ذلك الهجوم الذي بفعلته تلك أعاد ذكرى أيام كثيرة مرت وكانت محفوفة بالخوف والقلق والترقب وهو بذلك يشابه عدة أيام أخرى في التاريخ الحديث للعاصمة المثلثة. ولم يكن هذا اليوم وحده هو الذي حمل تاريخ المعارك الحامية التي دارت بين القوات المسلحة والحركات الدارفورية المتمردة، فقد بدأت في وقت متقدم قبل هذا التاريخ حينما تحولت قوات حركة تحرير السودان بقيادة مناوي إلى هجوم المدن بمهاجمتها مدينة الفاشر بعد أن كانت تقوم بمهاجمة القوات الحكومية المتحركة بعيداً عن المدن في وقت سابق. وقد عد ذلك الهجوم الذي استهدفت به الحركة مطار الفاشر وتدمير حركة الطيران العسكري بعد أن قصفت القوات المعتدية عدد من الطائرات الرابضة في أرضية المطار في صباح يوم باكر لم تشهد المدينة يوماً شبيهاً به بيد أن القوات النظامية استطاعت أن ترد الصاع صاعين لتلك الجماعات من حركة التحرير بيد أنه يظل التاريخ الأبرز في خارطة تحول الصراع بين الجيش والحركات المسلحة والتي كانت غالباً ما تدور في مناطق قاصية وبعيدة جداً عن المدن مما يجعلها قليلة الأثر بعكس التي بدأت تظهر أو تستهدف المدن المختلفة بدارفور أو حتى العاصمة الوطنية. ولم ينسى الناس وإن نسوا ما قامت به حركة العدل والمساواة الحركة الأكثر نشاطاً في دارفور من خلال وجودها المستمر إلى أن وصلت مناطق بعيدة في ولايات أخر حينما أقدمت على الهجوم على أم درمان في واحدة من أخطر العمليات العسكرية التي عرفت من بعد بالزراع الطويل. وقد كتب في تلك المعركة الكثير من الكُتاب والمحللين السياسيين والعسكريين الذين أكدوا أن ما قامت به الحركة كان انتحاراً بعد أن وضع خليل كل قواته في «سلة» واحدة واستطاعت القوات المسلحة أن تقهر الحركة وتدحرها بعيداً عن مناطقها بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من دواوين الحكومة في العاصمة الخرطوم خاصة تلك التي تقع في مدينة أم درمان. ويقول اللواء ركن (م) يونس محمود مستشار وزير الدفاع عن معركة أم درمان بين العدل والمساواة والقوات المسلحة لقد تمّ تصنيف عملية غزو أم درمان، أو كما تسميها الحركة (الذراع الطويل) هي محض أجرة مدفوعة الثمن، من معمر القذافي، وجنون صراعه مع هواجس الإسلاميين، والرئيس التشادي (وقتما كانت العداوة بينه وبين السودان على أشُدها) وحاصرت المعارضة التشادية قصره، واتهم الخرطوم بدعمها، فآثر أن يرد الزيارة فاستأجر حركة خليل للقيام بهذا الدور، الذي كلفها غالياً جداً كما هو معلوم (رأس الحركة) والعديد من قياداتها الكبار كالجمالي جمال الدين وآخرين. معركة قوز النخارة ويعتبر يونس محمود هذه المعركة بالفاصلة بين التمرد المسلح في دارفور والقوات المسلحة بعد أن تكبدت الحركات وتحديداً العدل والمساواة خسائر فادحة وكبيرة وكانت أفضل الهدايا التي نالتها القوات المسلحة أعدائها إذ تحصلت على أكثر من مائتين عربة لاندكروزر محملة بجميع أنواع الأسلحة وخاصة المدافع والرشاشات والزخائر، ويقول يونس إنه الآن وبعد ثماني سنوات، استطاعت حركة خليل أن تجمع أنفاسها، وتستجلب دعماً نوعياً لتحيي ذكرها الخامل، بمغامرة الغزو الثانية، فكانت وبالاً عليهم أكثر وأشد وأنكى من الأولى. مؤكداً أن غياب الأهداف، هو الذي يقود إلى هذا التخبط، والعمى، وعدم إدراك المتغيرات، وعدم فهم الواقع، وقياسه بمعيار العقل والموضوعية. ليضيف متسائلاً في هذا الحديث، هل حقيقة، تُريد هذه الحركات المتمردة، فصل دارفور؟ أم تريد هزيمة الحكومة؟ وحكم السودان؟ إن كانت الأولى، فهم لا يُمثلون إلا الأقلية من سكان دارفور. وإن كانت الثانية فهو غياب الأهداف. بينما يرى سعادة الفريق أول ركن حسن يحيى الكاتب والخبير العسكري أن معركة قوز النخارة هي مفاجئة المعارضة للحكومة وقال بدأت المعارضة بشقيها تتحدث عن مفاجأة غير سارة في يوم إعلان النتيجة النهائية للانتخابات. أشار عبد العزيز الحلو إلى أن المعارضة المسلحة قد نسقت مع المعارضة السياسية بالداخل على مفاجأة كبرى يتم تنفيذها في يوم إعلان النتائج النهائية للانتخابات لإفشال احتفالات الفرح التي ستقام في هذه المناسبة. وكانت القوات المسلحة ترصد بعين مفتوحة تحركات قوات العدل والمساواة بجنوب دارفور التي كانت تخطط لاحتلال مدينة نيالا عاصمة الولاية، ومكنها ذلك من القيام بهجوم احباطي ناجح بنسبة 001% على قوات العدل المساواة التي كانت تتجمع بمنطقة النخارة. بعد أن طبقت كل مبادئ الحرب المتعارف عليها والتي تتمثل في المفاجأة والسرية واستخبارات المعركة الدقيقة وحشد القوات والنيران في الزمان والمكان المناسبين مع المحافظة على أمن القوات التي تقوم بالهجوم مع تطبيق مبدأ الاقتصاد في الجهود فقادها هذا التطبيق الناجح لمبادئ الحرب إلى تحقيق معركة فاصلة وحاسمة قصمت ظهر حركة العدل والمساواة وأخرجتها من ميدان المعركة تماماً بعد أن فقدت كفاءتها القتالية بنسبة تزيد عن 09% نتيجة للخسائر الكبيرة في صفوفها البشرية والمادية التي لا مثيل لها في تاريخ الحرب الأهلية منذ تفجرها في 81 أغسطس 5591م. نقلا عن صحيفة الانتباهة 11/5/2015م