حال كلت مساعي جماعة (السائحون) بإطلاق سراح الأسرى بطرف الجبة الثورية، يتعين على مندوب الصليب الأحمر (الوسيط المحايد) بين الحكومة والجبهة الثورية، الطيران عبر العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، كمحطة وسطي، إلى مدينة كاودا بولاية جنوب كردفان، من ثم إلى أديس أبابا في طريق العودة إلى الخرطوم في رفقة الأسري. تلك القصة تقول إن الأسري بطرف الجبهة الثورية، محتجزون بمدينة كاودا، معقل مقاتلي قطاع الشمال قبل إن ينضم للقتال في تحالف مع حاملي السلاح من الحركات الدارفورية، تحت مسمي الجبهة الثورية، فأصبحت معقلاً لكل حاملي السلاح ضد الخرطوم. كاودا كادت إن تصبح اسطورة في استدعاء الخرطوم لسيرتها، وطوال فترة النزاع القائم بين الخرطوم وقطاع الشمال، لم تحظ المنطقة بزيارة من شخصيات نافذة، غير زيارة يتيمة سجلت في دفاترها، خلال ولاية احمد هارون لولاية جنوب كردفان، وترأس تلك الزيارة على عثمان محمد طه النائب الأول للرئيس وقتها. كاودا، تمثل أحد ساقي قطاع الشمال، الذي قام على مدينة الكرمك بولاية النيل الأزرق وكاودا بولاية جنوب كردفان، بيد إن طرد القوات المسلحة لمالك عقار وقواته من ولاية النيل الأزرق، في أعقاب الحرب التي اندلعت بين الطرفين في يونيو (2012)، وجه الأنظار بقوة صوب كاودا التي تسعي الخرطوم لتحريرها من قبضة قطاع الشمال وإعادتها إلى عش الولاية الإداري. خاصة خلال عمليات (الصيف الحاسم) التي أعلنت عنها القوات المسلحة في موازاة مع جلسات التفاوض الجارية بين الخرطوم وقطاع الشمال بأديس أبابا، مسارين للحل (سياسي وعسكري) ارتأت الخرطوم سلوكهما معاً. كاودا، التي تعني في اللغة المحلية للسكان الشلال المتدفق بين الجبال، كانت مجرد قرية صغيرة، ترقد بين قمم الجبال ووفرت لها الجغرافية حماية طبيعية، عصمتها من الاختراق لغير ساكنيها، تقع جنوب شرق مدينة كادقلي حاضرة الولاية، على مسافة (82) من الكيلو مترات، وتتبع إدارياً لمحلية هيبان. وسطع نجم المدنية منذ العام (1983) بعد إن اجتاحها مقاتلو الجيش ألشبعي لتحرير السودان، وشهدت وقائع مؤتمر (كل النوبة) الذي فوض فيه الراحل جون قرنق للحديث باسم أبناء المنطقة، ومنذ ذلك التاريخ ظلت تحت قبضة الجيش الشعبي، وفي العام 2002) الذي وقع فيه اتفاق سلام جبال النوبة، لم يفلح في استخلاص المدينة من يد الجيش الشعبي، لجهة اتخاذ قوات السلام الدولية المدينة مقراً لها لمراقبة سير إنفاذ الاتفاق، كما دخلتها أعداد مقدرة من المنظمات العاملة في مجال الإغاثة والعمل الإنساني الطوعي. ذلك الوضع أمهل القوات المسلحة بعدم بسط السيطرة على أرض كاودا وما جاورها، والتي أصبحت لاحقاً تسمي بالأراضي المحررة بعد اشتعال الحرب في جنوب كردفان مرة أخرى في أعقاب خسارة الحركة الشعبية قطاع الشمال للانتخابات قبل الأخيرة، فكان خيار العودة للندقية، والعودة لمربع الحرب. بعد تلك السيرة من الكر والفر غدت (كاودا) أيقونة لقطاع الشمال، واتخذتها منصة للانطلاق العسكرية السياسية، لتحقيق أهدافها، ودعت شركاءها وحلفاءها من حاملي السلاح من حركات دارفور لعقد أول اعمال المؤتمرات التي أخرجت تحالف الجبهة الثورية، كما ظلت القاعدة العسكرية التي تشون منها الحملات العسكرية ضد حاضرة الولاية وما جاورها من المواقع، وقدرت الخرطوم ضرورة طرد وإخراج مقاتلي قطاع الشمال والجبهة الثورية من المدينة التي شيد بها (11) مهبطاً للطائرات في وقت سابق، ووجه الطيران الحربي ضربات متلاحقة على المدينة متزامناً مع عمليات الصيف الحاسم البرية في المنطقة، وأفلح ذلك في إفراغ المدينة من قيادات الجبهة وفي واحدة من رحلات الإخلاء تلك لقي عدد من قيادات الحركات الدارفورية مصرعهم أثر تحطم المروحية التي كانت تقلهم خارج المنطقة، وشارفت القوات البرية الدخول على تخوم المدينة بيد انها لم تدخل المدنية، وقالت ان مقاتلي الجبهة الثورية يضعون أكثر من 55) ألف نسمة من سكان المنطقة كدرع بشري. وتواترت الأخبار عن تدفق للمنظمات الإنسانية البريطانية والأمريكية برفقة خبراء أجانب في الاتصالات للعمل على تركيب أجهزة اتصالات وتصنت متقدمة وزرعها في المنطقة، فيما تنظر الخرطوم إلى كاودا إلى المعركة الأخيرة ضد مقاتلي قطاع الشمال والجبهة الثورية باعتبارها آخر حصون المتمردين في جنوب كردفان وخسارتها ستسحب من رصيد المقاتلين المادية والمعنوية، وتحول ميدان المعركة والمفاوضات لصالح الحكومة التي عقدت العزم على جلب السلام سلماً أو حرباً. نقلاً عن صحيفة الرأي العام السودانية 2015/5/21م