بدأت حركة «الشباب» المتمردة في الصومال موجة جديدة من العنف المسلح، أسفرت خلال ساعات عن اغتيال نائب برلماني وعشرات القتلى في اشتباكات في جنوبي البلاد ، انتهت بسيطرتها على قرى جنوب مقديشو.ويأتي هذا التصعيد الشبيه ب «هجوم الربيع» لحركة طالبان الأفغانية، ليربك تفاؤل السلطات المركزية بتحسن الوضع الأمني لجلب الاستثمار والسير في محاولة النهوض بالصومال من كبوة استمرت نحو ربع قرن. ليس صعباً اكتشاف أسباب عودة نشاط «الشباب» في هذا التوقيت، فداخلياً هناك ضغوط مناطقية على حكومة الرئيس حسن شيخ محمود للمضي في مسارات المصالحة المتعددة واستكمال بناء النظام السياسي، كما هناك ضغوط اجتماعية بسبب عدم إنعاش القطاعات الاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر واستفحال ظاهرة سوء التغذية والخدمات الصحية، وكلها تصب في صالح حركة «التمرد» التي توظف عجز السلطات في استمالة بعض المناطق وتجنيد العناصر. وعلى الجانب الآخر، فقد لعبت الأوضاع السائدة في دول الجوار عاملاً استفادت منه حركة «الشباب»، من ذلك انشغال إثيوبيا بانتخابات تشريعية مصيرية، أما كينيا التي اكتوت مؤخراً باعتداءات من الجماعة الصومالية المتمردة، فهي في وضع حرج بسبب تداعيات تلك الاعتداءات وما سببته من أزمة سياسية أثرت في صورة نيروبي الإقليمية، ولا سيما حضورها في الصومال. أما العامل الأهم، الذي فاقم التحديات أمام حكومة مقديشو واستثمره أعداؤها، فهو الصراع الدائر في اليمن، فالسلطات الصومالية تتحدث عن استقبالها نحو 7 آلاف لاجئ من اليمن، وهناك مؤشرات على تسرب عناصر متشددة من المناطق اليمنية ليكونوا داعماً جديداً لحركة «الشباب». وما يؤكد هذا الأمر أن الحركات المتشددة بدأت ترسم خريطة تحرك جديدة حول مضيق باب المندب بين اليمن والصومال ومناطق القرن الإفريقي. ومن عادة هذه الجماعات التي تتخذ من الإرهاب منهجاً وأسلوباً، أن تختار الأقاليم الرخوة أمنياً وسياسياً، وبالنسبة إلى تلك المنطقة، فهي تمر بمرحلة حرجة جداً، وربما غير مسبوقة. ومع أن الصومال قد أصبح بلداً «عريقاً» في الفوضى وضعف سلطة الدولة، فإن بقية الدول الأخرى ظلت محافظة على استقرارها واستطاعت أن تقاوم كل التهديدات، ولكن في الأشهر الأخيرة يبدو أن المعادلة بدأت تختل، فتجاور نقاط التوتر من شأنه أن يعقد الوضع الإقليمي ويحبط محاولات السيطرة. بتفصيل أكثر، إن منطقة القرن الإفريقي تمر بأزمة أمنية خطرة ستكبر مع الأيام إن لم يتم تدارك الأمر وفك الارتباط بين نقاط التوتر المتجاورة. وقد تناقض هذه المخاوف التفاؤل الذي أبداه بداية الشهر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في مقديشو، ولكن تصرحات كيري «الوردية» يمكن ألا تؤخذ على ظاهرها، فتلك الزيارة جاءت ضمن جولة له في المنطقة. وعادة ما تؤشر هذه الزيارات إلى وجود خطر ما، والولايات المتحدة، قبل غيرها، ربما لديها من المعطيات لتوصيف الوضع. أما إعراب كيري عن أمله في القدرة على التنزه في مقديشو حين يزورها مرة أخرى، فهو من قبيل المجاملة الدبلوماسية، ولكنه أيضا يختزن إحساساً بأن التهديد الأمني في مقديشو سيستمر من دون تحديد نقطة لنهايته. المصدر: الخليج الاماراتية 25/5/2015م