لا شك أن العالم اليوم أصبح أقل إنسانية عما كان عليه من ذي قبل، ولكنه أصبح أكثر فجاجة في وحشيته وأكثر نفاقا ودجلا لصالح الإنسان الأبيض واليهودي وغير العربي والمسلم ، وكل ما نراه ونتابعه عبر وسائل الإعلام العالمية ليس سوى صورة بيضاء في ملف كبير من الصور السوداء التي يختفي خلفها أشرار العالم ، ومن خلف هؤلاء الأشرار وتجار الحروب وصنّاع الكوارث يجلس مجموعة ممن ينصبون أنفسهم كمدافعين عن حقوق الإنسان والبكاؤون على حقوق العمال والشواذ جنسيا والمضطهدون سياسيا ، وهم- أقصد المنظمات الحقوقية العالمية -يمتلكون عددا كافيا من الرؤى والأهداف والغايات ،ولكن في ذيل قائمة اهتماماتهم يغطي الغبار كل ما يتعلق بالمسلمين وحقوقهم الدينية والاجتماعية في بلاد تضطهدهم وتقتلهم بالآلاف وتهجرهم قسريا . منظمة العفو الدولية و هيومن رايتس ووتش ، هما أشهر المنظمات العالمية التي تعمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان ، ولهما من التاريخ سنوات طويلة ، وتقاريرهما لو طبعت وصُفتّ على أرصفة شوارع المدينة لغطتها ، ولهما بصمات مضيئة في ما يتعلق بتسليط الضوء على العديد من القضايا الإنسانية والسياسية والاقتصادية حول الكرة الأرضية ، ولكن لعنة التمييز ضد ما هو إسلامي أو عربي تطارد القائمين على سياساتها ، فنرى كيف تتناول هذه المنظمات قضايا خطرة جدا في بلاد العالم وتناقشها بدبلوماسية ناعمة ،بينما تهاجم الدول العربية بشراسة في قضايا لها خصوصيات اجتماعية ، بينما تغفل عما يلحق المسلمين من أذى حول العالم . مينامار أصبحت أشهر من البيت الأبيض في واشنطن بعد أن تم الكشف وتداول صور عشرات الآلاف من المسلمين الذي تم حرقهم أحياء ، وحرق بلداتهم وتقتيلهم من مختلف الأعمار ، وطردهم من أرضهم وقراهم في بورما ، وقذفهم إلى البحر ليتلقفهم قراصنة البحار وتجار البشر ، وأصبح اسم بورما وجها آخر لجهنم على الأرض ، ومع هذا لم تأخذ هذه المنظمات على عاتقها تبني قضية قتل وإحراق وتهجير عشرات الآلاف من مسلمي الروهينجا على أيدي السكان البوذيين وقوات حكومية تساندهم، و حتى اليوم يواجه الآلاف ممن نجوا من الموت ،يواجهون الموت في عرض البحر وهم مكومون في قوارب تجار البحار . منظمة العفو الدولية التي ما زالت تمارس الازدواجية في التعامل مع القضايا العالمية بناء على الدين والقومية ، أصدرت أخيرا تقريرا حول "القوانين العرقية والدينية في مينامار" ، وحمل تقريرها الذي صدر منذ شهرين من اليوم دعوة إلى برلمان مينامار " لرفض سلسلة من القوانين المقترحة التي ستكرس التمييز المتفشي على نطاق واسع وتؤجج العنف ضد الأقليات الدينية، أو أن يعدِّلها بصورة جذرية. هذه مجموعة من أربعة قوانين وصفت بأنها تهدف إلى حماية العرق والدين وتجري أحكاماً تميِّز بشكل مفرط على أسس دينية وتعزز عدم المساواة بين الجنسين. كما تجبر الناس على الحصول على موافقة الحكومة من أجل اعتناق دين آخر أو تبني دين جديد، وتفرض سلسلة من الواجبات التمييزية على الرجال غير البوذيين الذين يتزوجون من نساء بوذيات. ومن يبحث في تقارير المنظمة لا يجد ذِكرا لجرائم التطهير العرقي الذي مورس ضد المسلمين على مدى سنوات خلت وتم فضحها أخيرا، بينما نجدها تصدر تقريرا حول ما أسمته عدم التزام الحكومة القطرية بالإصلاحات فيما يتعلق بالعمالة الوافدة في ثلاثة بنود من أصل تسعة أعلنت عنها السلطات القطرية قبل عام ، وهذه "الخروقات" بنظر المنظمة لا تتعلق بقتل العمال الآسيويين وقذفهم في مياه الخليج العربي ، بل بما يلي حسب الباحث مصطفى قادري حرفيا : "لم يتم إحراز أي تقدم بتاتاً على صعيد مسائل هامة من قبيل تصريح السفر (كفالة الخروج) والقيود المفروضة على تغيير رب العمل بموجب نظام الكفالة، وأشكال الحماية المتاحة لعاملات المنازل وحرية تشكيل النقابات العمالية أو الانضمام إليها." هنا وحتى لا أكون منافقا أو غير موضوعي على الأقل لأنني لم أر بعيني ،فإنني أرى في التقرير الذي قرأته للتو شوائب كثيرة ليس للعمال وحقوقهم والإنسانية عموما كثيرا من الحظ ، بل إن تقرير منظمة العفو الدولية الذي اعتمد على تحليل لباحث عمالي يحمل صبغة سياسية لا تتعلق بحقوق الإنسان بقدر ما تحاول إفشال احتضان قطر لبطولة كأس العالم ، وهو يذكر ذلك صراحة ، ويذرف الدموع على ضياع فرصة إلغاء الفعالية ويحرض الاتحاد الدولي لكرة القدم على ذلك، من باب فرض نظريته العمالية على الاتحاد الدولي لمراقبة العمال في قطر . اليوم عندما يتم التركيز على قضايا عمالية في دولة كقطرالعربية ستحتضن أكبر فعالية كروية عالمية ، وعندما يستيقظ ضمير العالم الحرّ فجأة وقنواته الإعلامية من أعرقها بي بي سي وكبريات الصحف والمنظمات الحقوقية لانتقاد مسائل تنظيمية تتعلق بالعمالة الآسيوية ،ثم ينسى أو يتناسى أو يغفل كل هؤلاء ما هو أكبر وأخطر وأقذر ما يمكن أن يواجهه البشر ،كما يحدث مع مسلمي شرق آسيا والمهاجرين في قوارب الموت إلى شواطىء أوروبا ، وما ذاقه الفلسطينيون تحت أطنان القنابل المحرمة التي حرقت بها القوات الإسرائيلية قطاع غزة الذي ما زال محاصرا ، عندما يحدث كل هذا ،فإنه بات من الصعب تصديق هذه المنظمات وتقاريرها التي تجافي الحقائق في مكان وتغفل أخطر القضايا في مكان آخر بناء على "العرق والدين" المصدر: الشرق القطرية 26/5/2015م