بالأمس اعتذرت (الناشطة) نسرين علي مصطفي عن إزعاجها للرأس العام السوداني جراء حديثها عن وجود حالات تحرش بالأطفال داخل سيارات ترحيل المدارس. نسرين وعلي الرغم من خطورة الاتهام والقضية التي أثارتها وأدي نشرها إلي مصادرة عدد من الصحف وتعليق أخري عن الصدور، نفت أن تكون تملك أدلة أو إحصائيات أو شواهد علي وجود حالات تحرش جنسي أو اغتصاب داخل سيارات ترحيل المدارس. نسرين وزعت تصريحاً أو تصويباً صحفياً ممهورا بتوقيعها علي طريقة ساندرا ينفي مت ورد علي لسانها جملة وتفصيلاً علي الرغم من خطورة الحديث الذي أدلت به. من المؤسف أن يتحدث الناشطون بمثل هذه الطريقة لمجرد تعرية الحكومة أو إضعاف صورتها عند الناس، هنالك قضايا علي قدر من الحساسية لا تحتمل الحديث غير المستند علي الأرقام والإحصائيات، أحدثت تصريحات نسرين هزة اجتماعية كبيرة وصعدت إلي الأسافير وضاعفت من مخاوف الأسر علي أبنائها داخل سيارات ترحيل المدارس التي كانت تهم بفتح أبوابها، قالت نسرين كل هذا دون أن تمتلك أدلة ولا إحصائيات. حالة استسهال ولا مبالاة نتعامل بها مع الإحصائيات في السودان الأرقام تكذب وتتجمل، لا تقيم حجة ولا تحاصر ظاهرة بالحقائق الثابتة والحيثيات الدامغة. الأرقام يا نسرين تحكم العالم، الآن تحولت الدنيا إلي معادلات رقمية حيث (واحد+ واحد يساوي 2) لا مجال للمغامرة بالنتائج النهائية طالما أن أرقام المعادلة صحيحة، في القضايا الاجتماعية تنشط الجهود البحثية لمحاصرة الظواهر مستندة علي الإحصائيات والأرقام ولا سواها. في السودان ثقافة شفاهية تحكم علي الأرقام بالإعدام وتعتمد علي المزاج والأجندة الشخصية في رسم الوقائع. عدم التدقيق في الإحصائيات أًبح دخلاً لتزوير الحقائق وتضخيم المعادلات من أجل الكسب الإعلامي أو السياسي سمه ما شئت. يتحدث أحد الوزراء مثلاً بأن عائدات سلعة الصمغ العربي ثلاثة مليارات دولار في العام ولا يستدرك حتي بعد أن ينشر الرقم ويحجز مساحة تندر في المجالس العامة، إحصائيات الفقر ومعدلاته في السودان ظلت نهباً للأرقام المزورة، نسبة المطلقات تفاجئنا بإحصائيات ما أنزل الله بها من سلطان، طريقة التعاطي مع الإحصائيات أفقدت الأرقام هيبتها وصار من السهل جداً الاحتيال باسم الإحصائيات والدرجات المئوية. ضعف الاستهداء بالأرقام افقدنا القدرة علي إدارة المشاكل وجعل تخطيطنا عرضة للفشل في أغلب الأحيان. وإن كان الأداء الشفاهي هو ما يميز نمط المواطن السوداني في التعامل مع الظواهر والتطورات بالسودان، فإن لا عذر للمؤسسات الرسمية والواجهات التي تدعي أنها مراكز للدراسات والبحوث، كيف يقف المسئولون والناشطون أمام المنصات ويتحدثون في قضايا اجتماعية خطيرة دون امتلاك الإحصائيات والحقائق والوثائق. فليكن (درس نسرين) معياراً للتعامل مستقبلاً مع الإحصائيات التي نطلقها بلا هدي ونقولها بلا دراسة أو تمحيص بهدف تحقيق كسب سياسي أو إعلامي أو غيره، لم أكن أتوقع أن نسرين لا تمتلك إحصائيات تبرر بها حديثها الخطير. نقلا عن صحيفة الرأي العام 11/6/2015م