أثار فصل جديد من فصول تنصت وكالة الأمن القومي الأميركية على مسؤولين فرنسيين بارزين، بينهم الرئيسان السابقان جاك شيراك ونيكولا ساركوزي والحالي فرنسوا هولاند، بين عامي 2006 و 2012، والذي كشفته وثائق سرية أميركية سربها موقع «ويكيليكس» ونشرتها صحيفة «ليبراسيون» وموقع «ميديابارت» الإخباري، غضباً عارماً في البلاد، لكن يستبعد أن يؤثر ذلك سلباً على العلاقات بين البلدين. ولم تنفِ وكالة الأمن القومي الأميركية حصول تجسس في السابق، لكنها شددت على أنه «لا يستهدف اتصالات هولاند، ولن يستهدفها». وأضافت: «نعمل في شكل وثيق مع فرنسا على كل المواضيع ذات البعد الدولي، والفرنسيون شركاء أساسيون». وكان مجلس الشيوخ الأميركي أقرّ قبل أسابيع قانوناً يحدّ من برنامج الوكالة لجمع بيانات الاتصالات الهاتفية (ساعة الاتصال ومدته والرقم المطلوب)، وهو الإجراء الأكثر عرضة للانتقاد من بين تدابير المراقبة التي أقرت بموجب قانون مكافحة الإرهاب (باتريوت آكت) الصادر بعد اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001. الى ذلك، قال جوليان أسانج، مؤسس موقع «ويكيليكس» اللاجئ منذ ثلاث سنوات في سفارة الإكوادور بلندن: «من حق الفرنسيين أن يعرفوا أن الحكومة التي انتخبوها تخضع لمراقبة معادية من قبل حليف مفترض». وكتب على موقع «ويكيليكس»: «إننا فخورون بالعمل الذي أنجزناه مع وسيلتي إعلام فرنسيتين بارزتين، ليبيراسيون وميديابارت، من أجل كشف هذه المعلومات. يستطيع القراء الفرنسيون أن يترقبوا كشف معلومات أخرى محددة ومهمة قريباً». ودان قصر الإليزيه في بيان أصدره بعد اجتماع عاجل عقده مجلس الدفاع في حضور الرئيس هولاند، عملية التنصت بحزم، واستدعى السفيرة الأميركية جاين هارتلي لإبلاغها الموقف الرسمي من الموضوع، علماً أن المعلومات الجديدة المنشورة تنقل فحوى أحاديث بين مسؤولين فرنسيين حول الأزمة المالية الدولية وأزمة الديون اليونانية، والعلاقات بين إدارة هولاند وحكومة المستشارة الألمانية أنغيلا مركل، من دون أن تفضح أسرار دولة. ووصف البيان المعلومات المسرّبة بأنها «غير مقبولة»، وحذر من أن فرنسا «لن تتغاضى عن أي عمل يستهدف ضمان أمنها وحماية مصالحها»، داعياً واشنطن «إلى التقيد بتعهداتها واحترامها»، في إشارة الى موقف الأخيرة بعد كشف المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد سنودن الفصل الأول من التنصت عام 2013. وشمل ذلك مراقبة الاتصالات الهاتفية والإنترنت داخل الولاياتالمتحدة وخارجها لسنوات، خصوصاً الاتصالات في ألمانيا وصولاً إلى الهاتف الجوال الخاص بالمستشارة أنغيلا مركل. لكن ستيفان لوفول، الناطق باسم الحكومة، لفت الى «ضرورة التفكير ملياً بما يقال حول هذا النوع من المواضيع، على رغم صعوبة فهم أو تصور دوافع خرق ميثاق الثقة عبر تجسس حليف على آخر، فالعالم يشهد قدراً كافياً من الأزمات الخطرة التي تلزم احتفاظ الحلفاء بمسؤولياتهم». وأعلن لوفول أن المنسق الفرنسي لأجهزة الاستخبارات سيزور الولاياتالمتحدة خلال أيام للتأكد من احترام الالتزامات، فيما عُلِم أن احتمال تقدم باريس بشكوى ضد واشنطن غير مطروح. ولاحقاً، أعلن رئيس الحكومة مانويل فالس أن الولاياتالمتحدة «يجب أن تفعل كل شيء لإصلاح» الأضرار الناجمة عن كشف التجسس الأميركي على الرئاسة الفرنسية، وتتبنى مدونة حسن سلوك بين الدول الحليفة في ما يتعلق بالاستخبارات واحترام السيادة السياسية». في المقابل، قد يتسبب ما كشفه «ويكيليكس» بأزمة فرنسية داخلية، استناداً إلى المواقف التي أصدرها مسؤولو المعارضة اليمينية بينهم منهم عضو مجلس الشيوخ فرنسوا باروان الذي دعا هولاند إلى «الرد بقوة على هذا السلوك الأميركي المتكرر»، فيما طالب الوزير السابق رينو موزولييه بطرد السفيرة الأميركية. وصرح كلود جيون، كبير هيئة مستشاري الرئاسة الفرنسية خلال حكم ساركوزي وأحد المستهدفين بالتنصت: «مع الأخذ في الاعتبار العلاقة الوثيقة جداً بين فرنساوالولاياتالمتحدة، وبحقيقة كوننا حلفاء مخلصين الى أبعد حدّ أشعر بأن هذه الثقة فقِدت». وقالت آن إيدالجو، عمدة باريس: «تتطلب هذه الأشياء المرعبة تفسيرات من الولاياتالمتحدة، وضمانات بأنها لن تتكرر». واللافت دعوة رئيسة الجبهة الوطنية (يمين متطرف) مارين لوبن وأبرز وجوه اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون إلى وقف المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة حول اتفاق التبادل الحر عبر ضفتي الأطلسي. وتساءل آخرون عن الأسباب التي تمنع تعزيز الاستخبارات الفرنسية تدابيرها للحيلولة دون حصول عمليات تنصت، علماً أن إجراءات اتخذت على مستويات عدة بعد تسريبات عام 2013. ويرجح استغلال عملية التنصت الجديدة في السجال الدائر حول القانون الجديد الذي يوسع صلاحيات الاستخبارات الفرنسية في مواجهة مكافحة الإرهاب. ويعتبر معارضو القانون أن الولاياتالمتحدة دعمت قدراتها الاستخباراتية بعد اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وخوّلت نفسها التنصت على الجميع بينهم حلفاؤها، كما قيّدت الحريات العامة، و «هو ما قد تشهده فرنسا نفسها في ظل القانون الجديد الذي أعدّ عقب اعتداءات «شبكة كواشي» في باريس مطلع السنة الحالية. المصدر: الحياة 25/6/2015م