تثير قضية (سوق المواسير) بحسب التعبير الشائع لدي أهل مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور أموراً شتي، بعيداً عن كونها فقط قضية ممارسة ربوية خاطئة مخالفة للقوانين السودانية والأعراف التجارية في الأسواق السودانية. الأمر الأول، أن القضية ومهما حاول البعض حصرها فقط في الجناة الظاهرين الذين يجري التحقيق معهم وتم القبض علي العديدين منهم – أكبر من هذا النطاق، فالمنطق يفرض وجود (أيدي عاثبه) من الخارج، ففي عصرنا الحاضر تشعبت وسائل الحروب لتتجاوز الأعمال الاستخبارية والعسكرية التقليدية الى عمل عدائي اقتصادي لأن تدمير الاقتصاد ونزع أحشائه من الداخل سلاح قاتل ومؤثر ربما اضطرت جهات أجنبية للجوء أليه بعد إخفاق الوسائل الأخرى خاصة بعد أن بدأ الاستقرار يعم الإقليم وشهد قيام الانتخابات العامة. ومن المهم هنا أن تلتفت السلطات الحكومية المختصة في السودان الى هذه الأيدي العابثة فهي لن تكتفي بسوق الفاشر ومن المؤكد انها ستحاول في سوق آخر، بوسيلة مختلفة. الأمر الثاني أن التظاهر ليس ضرورياً في أي شيء، ذلك أن واحدة من أزمات ممارساتنا الديمقراطية أننا نريد (تقليد الآخرين) في أوروبا والغرب عموماً ولكننا لا نملك مقومات التقليد نفسه ذلك أننا لو أمعنا النظر في القضية فهي قضية جنائية من المؤكد الا سبيل إلى حلها واستعادة الضحايا لحقوقهم الا عبر الطريق العدلي والقضائي المعتاد خاصة بعد أن قام وزير العدل السوداني عبد الباسط سبدرات بزيارة سريعة إلى الإقليم ووجه توجهات صارمة بضرورة احتواء الأمر عبر تحقيقات جنائية لا تفرق بين زيد أو عبيد لان المقصود هو اجتثاث الظاهرة من جذورها ورد الحقوق إلى ألها. وهذا بحسب ما تم كان كافياً للغاية لطمأنة الضحايا ولم يكن هناك من داع – والأمر كذلك – لتسير مظاهرة ثبت أنها لم تجرى نفعاً، وإنما استغلها بعض أصحاب الغرض البعيدين كل البعد عن الضحايا وحقوقهم ليستخدموها لأسبب سياسية مختلفة، فالخطأ هنا من جانب الضحايا المتظاهرين خطأ مركب، كونهم من جهة لم يصبروا على متابعة الإجراءات العدلية مع أنها هي السبيل الوحيد المتاح والناجع لاقتضاء وكونهم من جهة ثانية سيروا مظاهرة في ظروف دقيقة كهذه غير عابئين نتائجها الوخيمة وثبت أنها لم تحقق ما أرادوه بدليل عودتهم مرة أخرى إلى السبيل القضائي العدلي. الأمر الثالث: أن حكومة الولاية ومهما كان لديها من حسن نية ما كان ينبغي أن يغيب عنها – في ظروف الولاية والإقليم، والأعداء المتربصين به – أن الحرب ربما اتخذت هذا الشكل من تخريب الاقتصاد وإدخال طرق دخيلة عليه وهي مطالبة الآن – بشتى الوسائل – للتدقيق في جذور الأزمة، اذ لم يعد مهماً الآن ما حدث بالفعل، ولكن الأهم هو معرفة كيف تم، ومن كان وراءه وكيفية تلافي تكرار ذلك والتأكد مما إذا كان ما تم لم يؤثر بصورة عميقة في بنية الولاية الاقتصادية وإلا يكون قد نخر في بنائها المتين.