وفي ظل التحولات التي حدثت في المنطقة بعد الربيع العربي، إن مسألة الأمن الداخلي في كثير من البلدان العربية صارت هاجساً حقيقياً يؤرق مضاجع أمريكا ومختلف بلدان العالم، خوفاً علي رعاياها ومصالحها، فمن كان يصدق أن تحدث حرب أهلية في سوريا واليمن والعراق واغتيالات وتفجيرات كما يحدث في مصر. أحداث مصر تعتبر هي الأخطر بالنسبة للولايات المتحدة، باعتبار ثقل مصر العربي والدولي، بالإضافة إلي مباركة ودعم الإدارة الأمريكية للنظام الجديد بعد يوليو 2013. مصر سادتي لم تعد هي مصر الآمنة التي كان يحج لها السودانيون منذ 20 عاماً لإكمال إجراءات الهجرة واللوتري، وهذا صدر منذ يومين بعودة الإجراءات القنصلية للمهاجرين بالسفارة الأمريكية بالخرطوم وليس بالقاهرة. هذا القرار يعتبر هو الاعتراف الأقوى من الإدارة الأمريكية مؤخراً، بأن السودان الذي يئن من طأه العقوبات وإدراجه ضمن الدول الراعية للإرهاب ويعاني نصف سكانه الفقر والحروب، هذا البلد بالرغم من كل ذلك، فهو الدولة الأكثر أماناً بحمد الله في منطقتنا. أكثر أماناً هذه ليست مكرمة من الإدارة الأمريكية بل بالعكس، فالعقوبات الظالمة والضغوط الأمريكية الرهيبة التي مورست علي السودان، كان من المفترض أن تجعل هذا البلد صومالاً آخر. وهذا الأمان ليس أيضاً من صنع الحكومة فهنالك العديد من المظلومين (هذا أمر آخر) ولكنها رحمة الله بعبادة ثم سماحة وتسامح هذا الشعب الكريم. هذا القرار أيضاً لديه أسباب أخري تتصل بتقديرات أمنية داخلية للأمريكان لأوضاع السودان، والأمثلة كثيرة علي ذلك، منها الحادثة التي جعلت السفير الأمريكي قبل مدة يخالف كل قواعد البروتوكول والتأمين التي هي خط أحمر لدي الأمريكان، فيتناول طعام الإفطار بإصرار من أهل المنطقة في الطريق العام في الكباشي، لاحظ هذا الأمر عدة مرات في أشكال مختلفة. التقديرات الداخلية والخارجية في ظني دفعت الإدارة الأمريكية لاتخاذ هذا القرار كما أن هذا القرار يتزامن مع تحولات مهمة. إذ لا يمكن أن نتجاهل البيان الذي صدر قبل عدة أيام من السفارة الأمريكية بإدانة العدوان الذي قام به قطاع الشمال وقتل فيه العشرات من الأبرياء، وأيضاً لا يمكننا التغافل عن القرار الذي صدر من مجلس الأمن بدعم أمريكي لحظر 6 من القادة الجنوبيين المتهمين بارتكاب جرائم حرب من السفر وتجميد أصولهم. كل هذا التطورات تدل علي أن الإدارة تعيد قراءة المشهد، وتنفض يدها من دول دعمتها وأخري صنعتها قبل عدة أيام، وتردد في سرها لقد فشلنا مرة أخري بعد العراق وأفغانستان. سيدي وزير الخارجية بلغة الجيش أمريكا تقوم بخطوات تنظيم في الطابور، وأنت سيد العارفين فأمريكا لا تخاف شيئاً، كما الإرهاب الذي يحاصرها شمالاً وجنوباً... نتمنى لك التوفيق، وأل تضيع فرصة التطبيع كما ضاعت فرص من قبل. نقلا عن صحيفة التغيير 22/7/2015م