خطفت أفريقيا هذه الأيام أنظار العالم بزيارة الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما، لكينيا ثم أثيوبيا، حيث سعى إلى كسب ود سكان القارة السمراء خلال القمة العالمية حول ريادة الأعمال التي استضافتها نيروبي بتقريظة القارة باعتبارها أسرع المناطق نمواً في العالم. وخروج سكانها من الفقر، وارتفاع دخولهم واتساع الطبقة الوسطى. وما تجنبته الآلة الإعلامية الغربية عن زيارة أوباما هو تسليط الضوء على الألغاز الجيوسياسية في القارة السمراء والانقسام في مواقفها الاقتصادية وتأثيرات ذلك على توجهاتها السياسية، فبينما تعمل نيجيريا لتحالف وانعطافه نحو الدول الغربية، تتطلع جنوب إفريقيا إلى الشرق بانتمائها إلى دول البريكس التي تجمعها مع الصين وروسيا والبرازيل والهند. وعلى الرغم من الهدنة المؤقتة في الجغرافيا السياسية العالمية التي أدت إلى إبرام الاتفاق النووي الإيراني، فإن نفوذ القوى العالمية التي تجذب دول مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو معا وتفرق دول البريكس اخذ في الاتساع. القارة تضم 54 دولة أفريقية ضعيفة اقتصادياً وعسكرياً تبدو وكأنها الحدود النهائية، لتنافسات الكتل الجيوسياسية العالمية، لكن هذا التنافس المتجدد بين "الشرق" و"الغرب" يظهر مع زيارة أوباما الحالية إلى المنطقة. ومن المفارقات فإن خطاب الرئيس الأمريكي الموجه لدول الاتحاد الإفريقي الذي يلقيه من على المنصة التي دفعت الصين ثمنها ضمن التمويل الباهظ المقدم من بكين لمقار الاتحاد الإفريقي يسلط الضوء على خيارات القارة الجيوسياسية القاسية، وتغلغل التنين الصيني في صلب القارة السمراء مما يزيد من توجس واشنطن وقلق البيت الأبيض. فمنذ عام 1963، سعت إفريقيا لإتباع مسار جيوسياسي مستقل وغير منحاز، لكن الفشل التكنولوجي في القارة دفعها للتبعية الاقتصادية والفكرية لأوروبا والولاياتالمتحدة والآن الصين، وبسبب عجز إفريقيا عن تقرير مصيرها بنفسها، لا تزال القوى الجيوسياسية خارج الحدود تملي على القارة ما يتعين عليها فعله. وفي الجانب الآخر تواصل الدول الفرانكوفونية الغربية ودول مثل تشاد ومالي وأفريقيا وغيرها التشبث بفرنسا لاستقرار عملتها المحلية وربطها باليورو، باتت دول أخرى في شرق القارة تفكر في الاتجاه إلى نحو تجمع البريكس، مثل أثيوبيا وأوغندا وتنزانيا. مما يزيد الانقسام الجيوسياسي ويعقد السياسة الأمريكية في المنطقة. واتساع تجمع البريكس يزعج الولاياتالمتحدة أكثر من غيرها فهو ناد يمثل أربعين في المائة من سكان العالم وخمس إجمالي ناتجه الداخلي، وصارت مواقف دولة في مجلس الأمن مناهضة للولايات المتحدة. وتسعى دول المجموعة إلى إصلاح النظام المالي والاقتصادي العالمي وعدم استخدام العقوبات من جانب واحد. باراك أوباما لن يغادر أفريقيا مطمئناً إلى شراكة أمنية وتجارية وتبعية عمياء، فثمة مؤشر جديد على دبلوماسية تعدد الأقطاب التي تدعو إليها الدول الناشئة، ونزعات تشهدها المنطقة تستند على المصالح الحقيقية، ولم يعد بإمكان الدول الغربية الشراء بصكوك آجلة، بعد دخول التنين الصيني في الأسواق الأفريقية. نقلاً عن صحيفة الصيحة 28/7/2015م