الطاقة والموارد أجبرت الدب «الروسي» على العودة مجدداً لأدغال القارة السمراء «أفريقيا» ولكن هذه المرة سيدخل الروس في تنافس شرس مع لاعبين جدد كالتنين الصيني وبعض اللاعبيين التقليديين من دول أوربا.. وأعلنت روسيا على لسان مبعوثها الجديد للخرطوم بأن السودان سيكون بوابة العودة للقارة السمراء. ويبدو جلياً من الإعلان ثقة موسكو في أن الخرطوم ستفتح ذراعيها مرحبةً بتلك العودة، ولم يأت ذلك اليقين من فراغ فانسداد قنوات الحوار مع أمريكا.. وقد استعصى على السودان فك شفرة علاقاتة مع واشنطن ومساعي بلاد العم سام لخنق الاقتصاد السوداني عبر محاور عدة، وفصله من كتلته المادية المتمثله في محيطه العربى والأفريقي يجعل التقارب مع الند التقليدي لأمريكا «روسيا» أمر وارد وموضوعي.. وسبق للإنقاذ أن اتجهت شرقاً للصين إبان الحصار الأمريكي، بل وربما تبتسم الخرطوم في الظلام ابتهاجاً بالتقارب الروسي السوداني في مجال النفط والغاز وموارد الطاقة التي تشغل بلا شك بال العالم حالياً، وبذلك تصبح أفريقيا محط أنظار العالم، وليس بعيداً عن الأذهان التنافس الشرس بين واشنطن وبكين فى موارد النفط في القارة وفي السودان بصفه خاصة على الرغم من عدم أخذ الصراع الطابع التقليدي بين الطرفين بسبب الحذر الشديد من قبل الصين، إلا أن ضغط واشنطن على التنين الصيني يتزايد في الفضاء الأفريقي، وظهر ذلك علناً في زيارة وزير خارجية أمريكا الأخيرة للقارة والتي ذكر خلالها بأن الصين تنهب ثروات أفريقيا، وهذا يدخل في إطار محاولات بلاد «العم سام» لتأليب الدول الأفريقية ضد التوسع الصينى الذي يسعى لشراء أكبر حصة من النفط الأفريقي وبالعودة لتغير الموقف الروسي وإستراتيجيته للحاق بركب التنافس على الموارد الأفريقية بعد انكماش دورها داخل المنظومة الدولية وبجانب الموارد فإن الروس بدأوا رحلة العودة من الشرق الأوسط حيث نجحوا في إدارة ملف الأزمة السورية مع المجتمع الدولي وخاصة مع النهم التقليدى الولاياتالمتحدةالأمريكية بالتنسيق مع لاعبين جدد على رأسهم التنين الصيني الذي برز نجمه كقوة اقتصادية لايستهان بها في المنظومة الدولية، فحسب توقعات صندوق النقد الدولي فإن حجم اقتصاد الصين بحلول عام 2016م سيتجاوز الاقتصاد الأمريكي من حيث تعادل القوة الشرائية، وهذا الحدث يؤكد توقعات مساعد الرئيس السوداني الدكتور نافع علي نافع والتي تنبأ فيها بانتقال الزعامة الاقتصادية من الغرب إلى الشرق وربما كان يقصد الصين رغم عدم إشارته بوضوح إلى أنه توقع ذلك. وشدد خلال مخاطبات عدة في الخرطوم على ضرورة إصلاح مؤسسات الأممالمتحدة والبعد عن ازدواجية المعايير في التعامل مع دول العالم الثالث وأهمية وجود أطراف متعددة في المجتمع الدولي من أجل إحداث التوازن المطلوب في المنظومة الدولية وكل المؤشرات والمتغيرات في المشهد الدولي تؤكد بما لايدع مجالاً للشك تبلور قوى دولية كبرى لاستعادة المبادرة ووضع حد لنظام القطبية الآحادية والتهور الأمريكي وعدم ترك زمام المجتمع الدولي لمقامرات المحافظين الأمريكان الجدد ويدعم ذلك الاتجاه تراجع وانحسار الدور الأمريكي نتيجة التكاليف الاقتصادية والعسكرية في العراق وافغانستان والتى قادت تدريجياً إلى تراجع دورها في المجتمع الدولي لتمر القطبية الآحادية «الصلبة» إلى القطبية «الهشة»، حيث أجبرت أمريكا على إشراك الأقطاب الدولية الصاعدة والمنافسة لها في إدارة الملفات الدولية الساخنة وخاصة في أفغانستان وفي الملف النووي الإيراني والكوري الشمالي، ويبدو أن القارة والسودان بصفة خاصة سيشهد تنافس مكونات المجتمع الدولي على الموارد وعلى وجه الخصوص النفط والغاز. وها هو الآن المسرح يتشكل، فالصين موجودة في السودان منذ وقت مبكر والروس الآن بدأوا فعلياً خطوات العودة وترتيب الأوراق للعودة ويحملون في أيديهم شهادة نجاح في إدارة ملف سوريا مع المجتمع الدولي وأغراها ذلك النجاح للتدخل لمعالجة الملف السوداني بجانب والاستثمار فى مجال الطاقة من جانب آخر، وربما يحدث تنسيق روسي صيني في قضايا القارة الأفريقية والاستحواذ على النفط والغاز وإبعاد الأمريكان من المنطقة كما حدث في سوريا.. وعلى الطرف الآخر أمريكا ودول أوربية تنظر شذراً للاهتمام الروسي المتزايد بموارد الطاقة في القارة الأفريقية. وقال دربيع عبدالعاطي القيادي بالمؤتمرالوطني إن الملف السوري برهن بقوة بأن روسيا بدأت تتقدم وتستعيد دورها داخل المنظومة الدولية وأن أمريكا قبلت على مضض بذلك، وأضاف روسيا اليوم ليست كروسيا بالأمس والنظام الآحادى لم يعد آحادياً، وفي طريقه للتوازن مرة أخرى، وروسيا ليست بالضرورة أن تدخل للقارة الأفريقية عبر الخرطوم فيمكن أن تدخل من أي باب، ولكن لنا علاقات جيدة معها، ونحن نرحب بأي دور لها في السودان. ومما سبق فنتوقع أن نرى قريباً انبعاث ضوء لنظام عالمي جديد استكمل ضرورات ولادته، وربما استطعنا أن نشهد أحد أهم أقطابه متمثله في روسيا والصين ودول أخرى كإيران وسوريا إن خرجت الأخيرة من أزمتها.